التلوث الصامت وأصوات الغياب.. أسئلة حضرمية لا تجد اجابة

تقارير - منذ 1 ساعة

عين الجنوب||خاص
في وادي حضرموت، حيث تمتد الصحارى الواسعة وتختزن الأرض ثرواتها في عمقها، يطفو على السطح سؤال ثقيل لا يمكن القفز عليه: لماذا لم نسمع يومًا عمرو بن حبريش ومن يدور في فلكه يتحدثون بوضوح عن المصافي النفطية المخفية في صحاري الوادي؟ ولماذا غاب صوتهم تمامًا عن ملف التلوث البيئي الخطير الذي تخلفه هذه المصافي، رغم أن تبعاته تمس صحة الإنسان، وتهدد الأرض والمياه والهواء؟
السؤال مشروع، بل ملحّ، لأن الحديث هنا لا يدور عن قضية هامشية أو تفصيل ثانوي، بل عن خطر مباشر يلامس حياة الناس اليومية. فهل يُعقل أن هؤلاء لم يكونوا على علم بما يجري؟ وهل يُصدق أن التلوث الذي يشكو منه المواطن البسيط، ويلاحظه الرعاة وسكان القرى القريبة، قد غاب عن أعين من يدّعون تمثيل حضرموت والدفاع عن مصالحها؟
الأغرب من الصمت ذاته، هو حالة الارتباك التي يعيشها اليوم جزء من إعلام هذا التيار. خطاب مرتبك، متناقض، يخلط القضايا ببعضها خلطًا فوضويًا، حتى ليبدو وكأن هذا الإعلام قد أصيب هو الآخر بتأثيرات ذلك التلوث الذي تجاهله طويلًا. لا موقف واضح، ولا رؤية مستقرة، ولا لغة متماسكة يمكن البناء عليها. مرة يتحدثون باسم حضرموت، ومرة يذوبون بالكامل في أجندات الآخرين، حتى يفقد الخطاب ملامحه وهويته.
المتابع لا يكاد يفهم أين يقفون بالضبط. هل هم مع اليمن أم مع حضرموت؟ مع مجلس القيادة أم ضده؟ مع حزب الإصلاح أم في خصومة معه؟ هذا التذبذب لا يعكس مرونة سياسية بقدر ما يكشف أزمة موقف، وفراغ مشروع، وغياب بوصلة واضحة. فالسياسة، حين تُدار بلا مبادئ، تتحول إلى مجرد ردود أفعال ورسائل عابرة.
ومع الوقت، يتحول هذا التيار إلى مجرد أداة تردد ما يصلها من رسائل جاهزة، لا تمت لحضرموت بصلة حقيقية، سوى استخدامها كورقة للمتاجرة السياسية أو للمزايدة الإعلامية. أما القضايا الجوهرية، مثل الحكم الذاتي، وحقوق حضرموت التاريخية، والملفات الخدمية والبيئية الملحّة، فتُركن جانبًا، وكأنها عبء غير مرغوب في حمله.
إن تجاهل ملف التلوث البيئي ليس خطأ عابرًا، بل مؤشر خطير على طبيعة الأولويات. فمن لا يدافع عن صحة الناس وبيئتهم، ولا يواجه العبث بثرواتهم وأرضهم، لا يمكنه أن يدّعي تمثيلهم أو التحدث باسمهم. القضايا الحقيقية لا تُختصر في شعارات موسمية، ولا تُدار عبر بيانات انتقائية.
لكن الزمن، كما أثبتت التجارب، كفيل بكشف كل شيء. وهذه سِمة أصيلة في مسار القضية الجنوبية منذ انطلاقتها: في كل مرحلة يحدث فرز طبيعي، يسقط فيه القناع عن الوجوه، ويتمايز من يعمل بصدق من أجل الناس، ومن يعمل فقط من أجل اللحظة، أو من أجل مكاسب ضيقة سرعان ما تتبخر.
حضرموت أكبر من أن تكون ورقة في يد أحد، وأعمق من أن تُختزل في خطاب مرتبك. والوعي الشعبي، مهما تأخر، لا ينام طويلًا. وعندما يحين وقت الحساب، لن تنفع الصيحات العالية، بل سيبقى ما قدمه كل طرف للناس، وللأرض، وللحقيقة هو الشاهد لا الادعاءات.

فيديو