تحليل :استهداف حضرموت.. محاولة فاشلة لكسر الإرادة الجنوبية

تقارير - منذ 9 ساعات

عين الجنوب|| خاص:
في مشهد لا يمكن فصله عن سياقه السياسي والأمني، يأتي قصف القوات الجنوبية في حضرموت كعدوان سافر وتدخل صريح في شؤون الجنوب، لا يطال موقعًا عسكريًا فحسب، بل يستهدف مشروعًا متكاملًا تشكّل على مدى سنوات من التضحيات وبناء المؤسسات. هذا القصف لا يمكن تبريره بأي ذريعة، لأنه يتجاوز منطق “الأخطاء” أو “الالتباس الميداني”، ليعكس إرادة واضحة لضرب استقرار الجنوب ومحاولة كسر معادلة السيادة التي ترسخت على الأرض.
لقد بنى الجنوب واقعه الجديد على أسس ثابتة ومبادئ قويمه، قوامها الشراكة مع محيطه العربي، واحترام الإرادة الشعبية، وبناء مؤسسات أمنية وعسكرية وطنية أثبتت كفاءتها في واحدة من أعقد البيئات الإقليمية. ولم يكن هذا البناء نظريًا أو إعلاميًا، بل تُرجم عمليًا في مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي، حيث كانت القوات الجنوبية في طليعة من تصدّى للمشروع الحوثي، ووقفت سدًا منيعًا أمام التمدد الإيراني الذي سعى لتحويل الجغرافيا إلى منصة تهديد دائمة للمنطقة برمتها.
وفي الوقت الذي تهاوت فيه جبهات، وتبددت أسلحة، وتحوّلت شعارات “الشرعية” إلى غطاء للفشل والفساد، حافظ الجنوب على تماسكه، ونجح في تأمين مناطقه، وحماية حدوده، وتأمين الممرات المائية الدولية التي تمثل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية وأمن الطاقة. هذا الدور لم يكن خدمة للجنوب وحده، بل مساهمة مباشرة في حماية الأمن الإقليمي والدولي، وهو ما يجعل استهداف القوات الجنوبية استهدافًا لهذا الدور الحيوي قبل أي شيء آخر.
إن قصف حضرموت يبعث برسائل خطيرة، مفادها أن هناك من لا يزعجه الحوثي بقدر ما يزعجه نموذج جنوبي مستقر، يمتلك قرارَه، ويبني دولته بعيدًا عن الوصاية والارتهان. وهو يكشف في الوقت ذاته حجم التناقض بين الخطاب المعلن عن “الدعم” وواقع الممارسة على الأرض، حيث تتحول البنادق من مواجهة الخطر الحقيقي إلى استهداف من تصدّى له واحتواه.
حضرموت، بثقلها الجغرافي والاقتصادي والرمزي، ليست ساحة عبث ولا منطقة فراغ، بل ركيزة أساسية في معادلة الاستقرار الجنوبي. واستهداف القوات الجنوبية فيها لن يغيّر من الحقائق شيئًا، بقدر ما يعمّق القناعة بأن الجنوب بات رقمًا صعبًا، وأن مشروع دولته لم يعد قابلًا للإلغاء بالقوة أو بالقصف.
وفي المحصلة، فإن هذا العدوان لن يثني الجنوب عن مساره، بل يعزّز من تماسك جبهته الداخلية، ويؤكد أن ما تحقق على الأرض لم يكن منحة، بل ثمرة دم وتضحيات ووعي سياسي. الجنوب، الذي حارب الحوثي، وكسر التمدد الإيراني، وأمّن الممرات المائية، قادر اليوم على حماية مشروعه، والدفاع عن سيادته، مهما تعددت محاولات الاستهداف وتغيّرت أدوات التدخل.

فيديو