تحليل : لماذا تريد السعودية أن يصبح الجنوب وطنًا مستباحًا لقوى الشمال الفاسدة؟

دراسات وتحليلات - منذ ساعتان

خاص|| عين الجنوب:
في خضم التحولات العميقة التي يشهدها الجنوب، يبرز سؤال ملحّ يتردد في الشارع الجنوبي وعلى ألسنة النخب السياسية والإعلامية: لماذا يُدفع الجنوب، الذي قدّم تضحيات جسيمة وبنى مؤسسات أمنية وعسكرية فاعلة، نحو واقع يُراد له أن يكون ساحة مفتوحة لقوى الشمال الفاسدة؟ سؤال لا ينطلق من فراغ، بل من تراكم وقائع ومواقف وسياسات بدت متناقضة مع شعارات “الدعم” و“الاستقرار”.
الجنوب، خلال سنوات قليلة، استطاع أن يفرض معادلة أمنية واضحة، فحاصر الإرهاب، وواجه تمدد الحوثي، وأمّن السواحل والممرات المائية، وبنى قوات منظمة من أبناء الأرض تعرف جغرافيتها وتتشبث بهويتها. هذا الواقع لم يكن وليد صدفة، بل نتاج مشروع سياسي وأمني تشكّل من رحم المعاناة. ومع ذلك، بدا أن هذا النجاح لا يُقابَل بالاعتراف، بل بمحاولات التفريغ والتطويق وإعادة تدوير قوى شمالية أثبتت فشلها وفسادها لعقود.
تُطرح هنا إشكالية جوهرية: هل المشكلة في الجنوب أم في طبيعة القوى التي يُراد فرضها عليه؟ الوقائع تشير إلى أن القوى الشمالية التي جرى تسويقها تحت عناوين “الشرعية” و“الوحدة” لم تقدّم نموذج دولة، بل نموذج فوضى، نهب، وازدواجية ولاءات. هذه القوى نفسها هي التي انهارت أمام الحوثي، وسلّمت مقدرات الدولة، ثم عادت لتبحث عن موطئ قدم في الجنوب الآمن، لا لبنائه بل لاستهلاكه واستباحته.
السياسة السعودية، كما يراها كثير من الجنوبيين، بدت في محطات عدة أسيرة حسابات معقدة، تُقدّم إدارة التوازنات على حساب حقائق الأرض. فبدل البناء على شريك أثبت فعاليته في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود الجنوبية للمملكة ذاتها، جرى الرهان على قوى مجرَّبة الفشل. هذا الرهان لم يُنتج استقرارًا، بل عمّق فجوة الثقة، ورسّخ شعورًا بأن الجنوب يُراد له أن يبقى ورقة تفاوض، لا كيانًا مستقرًا يُعترف به.
الأخطر في هذا المسار أنه يحوّل الجنوب إلى مساحة صراع بالوكالة، تُفتح فيها الأبواب لقوى فساد تبحث عن موارد ونفوذ، لا عن أمن أو دولة. وحين يُستهدف البناء الجنوبي أو يُحاصَر سياسيًا، فإن الرسالة التي تصل إلى الشارع الجنوبي واضحة: المطلوب ليس شراكة حقيقية، بل إخضاع وإعادة إنتاج منظومة انهارت أخلاقيًا وسياسيًا.
ومع ذلك، لم يعد الجنوب كما كان. الوعي الجمعي تغيّر، والمؤسسات ترسّخت، والإرادة الشعبية باتت أكثر صلابة. الجنوبيون لا يرفضون الشراكة ولا يعادون أحدًا، لكنهم يرفضون أن يكون وطنهم ساحة مفتوحة لتصفية حسابات قوى فاسدة، أو جسر عبور لمشاريع فاشلة. يريدون علاقة واضحة، قائمة على الاحترام المتبادل، والاعتراف بما تحقق، لا على محاولات الالتفاف والوصاية.
إن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يُطرح اليوم ليس لماذا يرفض الجنوب الاستباحة، بل لماذا يُصرّ البعض على اختبار صبر شعب قرر أن يحمي منجزاته؟ الجنوب أثبت أنه عنصر استقرار لا عبء، وحارس للأمن لا مهدد له. وأي سياسة تتجاهل هذه الحقيقة، ستبقى تدور في حلقة مفرغة، بينما يمضي الجنوب، بثبات، في طريقه الذي اختاره بإرادته وتضحياته.

فيديو