عزل الجنوب عن محيطة العربي سياسة قديمة مارسها الشماليون في الجنوب قبل الوحدة

تقارير - منذ 1 ساعة

عين الجنوب ||خاص      

منذ عقود، لم تكن معركة الجنوب محصورة في الميدان العسكري أو السياسي المباشر، بل امتدت إلى ما هو أخطر وأعمق: محاولة عزله عن محيطه العربي وقطع صلته الطبيعية بعمقه الجغرافي والتاريخي. هذه السياسة ليست طارئة ولا وليدة اللحظة، بل هي امتداد لنهج قديم مارسته قوى الشمال قبل وحدة 1990، ويجري اليوم إعادة إنتاجه بأدوات أكثر دهاءً وخطاب أكثر تضليلًا.
التاريخ القريب يشير بوضوح إلى أن الجنوب، قبل الوحدة، كان حاضرًا في محيطه العربي بعلاقات سياسية واقتصادية واضحة، وبتواصل طبيعي مع دول الجوار، غير أن ذلك الحضور لم يكن يروق لقوى شمالية كانت تنظر إلى الجنوب كجغرافيا يجب إخضاعها لا كشريك يُحترم. ومن هنا بدأت محاولات التشويه والعزل، عبر تقديم الجنوب كطرف خارج السياق العربي أو كمشروع قابل للاستخدام في صراعات إقليمية، في مسعى مبكر لقطع جسور الثقة بينه وبين محيطه.
ومع قيام وحدة 1990، لم تتوقف تلك السياسة، بل انتقلت من مرحلة التحريض غير المباشر إلى مرحلة الممارسة الفعلية. احتُكر القرار السياسي الخارجي، وغُيّب الصوت الجنوبي عن المحافل العربية، وحُوِّل الجنوب إلى ساحة بلا قرار مستقل، تُدار شؤونه من خارج إرادته، بينما كانت ثرواته تُنهب، وحقوق أبنائه تُصادر، تحت شعارات لم تُترجم يومًا إلى شراكة حقيقية.
اليوم، ومع التحولات التي فرضتها الوقائع السياسية والعسكرية، وعودة القضية الجنوبية إلى واجهة المشهد كحقيقة لا يمكن تجاوزها، عادت محاولات العزل من جديد ولكن بثوب مختلف. حملات إعلامية منظمة تستهدف علاقة الجنوب بمحيطه العربي، وخطاب سياسي تخويفي يسعى إلى تصوير أي انفتاح جنوبي على أشقائه العرب كتهديد، وتحريض ممنهج يهدف إلى خلق قطيعة نفسية وسياسية بين الجنوب وعمقه الطبيعي. الهدف لم يتغير، وإن اختلفت الأدوات: إبقاء الجنوب وحيدًا، معزولًا، بلا سند، ليسهل الضغط عليه أو ابتزازه سياسيًا.
غير أن الفارق الجوهري اليوم يتمثل في وعي الجنوبيين. فالجنوب لم يعد ذلك الطرف الذي يمكن تطويقه بالروايات الزائفة أو عزله بالضجيج الإعلامي. لقد أدرك أن محيطه العربي ليس خيارًا تكتيكيًا يُستخدم عند الحاجة، بل هو امتداد طبيعي وهوية راسخة ومصلحة استراتيجية لا يمكن التفريط بها. كما أثبتت الوقائع أن كل محاولات العزل لم تكن سوى انعكاس لأزمة عميقة تعيشها القوى التي تخشى جنوبًا متصلًا، قويًا، وقادرًا على إدارة علاقاته بندّية واحترام متبادل.
إن ما يجري اليوم ليس دفاعًا عن وحدة ولا حرصًا على سيادة، كما يُروّج، بل هو استمرار لسياسة قديمة تهدف إلى السيطرة والإقصاء، سياسة ترى في الجنوب خطرًا كلما اقترب من محيطه العربي، وكلما عبّر عن إرادته المستقلة. وفي المقابل، يزداد فشل هذا النهج كلما انكشف للرأي العام، داخليًا وخارجيًا، أن الجنوب لم ولن يكون كيانًا معزولًا أو تابعًا.
الخلاصة التي تفرض نفسها بوضوح هي أن الجنوب، كما كان عبر تاريخه، جزء أصيل من محيطه العربي، وأن كل محاولات عزله، قديمًا وحديثًا، ستسقط أمام حقيقة ثابتة لا تتغير بتبدّل الخطاب ولا بتعدد الأدوات: الجنوب يعرف طريقه، ويعرف عمقه، ولن يُعاد إلى مربع العزلة مهما اشتدت حملات التضليل.

فيديو