ترامب وروسيا: فرص التغيير في غرب آسيا أم استمرار الجمود؟

دراسات وتحليلات - منذ 1 يوم

عين الجنوب|| سوث24 | د. أندرو كوريبكو
"في الوقت الحالي، لا يحظى المسرح اليمني  بأولوية في سياق الحروب المشتعلة في غرب آسيا بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل أو روسيا. بيد أن التفاعل بين هذه الأطراف وبين إيران قد يؤدي إلى حدوث تقدم نحو حلحلة هذا الملف لاحقًا."

قد تؤدي عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض إلى تهيئة المسرح لحدوث تغييرات كبرى في غرب آسيا حال تقديم إدارته المقبلة تنازلات لروسيا من أجل تجميد الصراع الأوكراني مقابل التعاون مع سياستها الإقليمية المتصورة. قد يعمل فريق ترامب على إنهاء الحروب الغرب آسيوية بين إسرائيل و"محور المقاومة" الذي تقوده إيران، وتعزيز أمن إسرائيل بشكل دائم في أعقاب ذلك، ثم السعي بشكل كبير إلى تقليص النفوذ الإستراتيجي العسكري الإقليمي لطهران. وتستطيع موسكو تقديم يد العون لواشنطن في إنجاز كافة هذه الملفات.

قبل وصف كيفية حدوث ذلك، من المهم إجراء مراجعة موجزة للسياسة التي تنتهجها روسيا تجاه هذه النقاط الإقليمية الساخنة. فيما يتعلق بفلسطين، تشدد موسكو على أهمية تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي للمضي قدما في حل الدولتين. تعتبر روسيا ما حدث في 7 أكتوبر 2023 "هجوما إرهابيًا" شنته حماس. بيد أنها تدين أيضًا ما تصفه بالعقاب الجماعي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. بالرغم من ذلك، لا تسعى روسيا إلى فرض عقوبات على أي من الطرفين وتواصل الحوار مع كليهما بشأن وقف إطلاق النار.

علاوة على ذلك، تستهدف محادثات موسكو مع الجناح السياسي لحماس تأمين إطلاق سراح ما تبقى من رهائن. إذ كشف تقرير أخير عن  جولة سرية قام بها وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر إلى روسيا في سياق جهود لتأمين لتأمين دعم موسكو لوقف إطلاق النار في لبنان. الاقتراح المتداول يتضمن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية خلف "الخط الأزرق" والحد من واردات الأسلحة القادمة من إيران لحزب الله. 

وفي هذا الصدد، قال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف مؤخرا إن إيران تدعم جهوده الرامية لوقف إطلاق النار. واستدرك أن موسكو ليست منوطة بمراقبة ومنع مرور الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله عبر سوريا مثلما طلبت إسرائيل. وفيما يتعلق بسوريا، أشار لافرينتييف إلى أن موسكو مهتمة بمواصلة المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن الوضع هناك بعد تنصيب ترامب. 

أما بشأن اليمن، فتخطط روسيا لإعادة فتح سفارتها في عدن بدلا من صنعاء. ويشكّل هذا تطورًا هاما إذ يشير إلى عدم صحة التقارير السابقة التي تزعم تسليح روسيا للحوثيين لأنه من الصعب أن نتصور أن تقوم موسكو بإعادة فتح سفارتها في العاصمة [...] "عدن" لو كانت تخطط لتسليح الميليشيات المدعومة من إيران في مواجهة الحكومة المعترف بها دوليًا هناك. ومع ذلك، بالرغم من العلاقات المتزايدة مع الحكومة اليمنية، لم تتدخل روسيا بعد بشكل كبير في العملية السياسية الرامية إلى إنهاء الصراع اليمني المشتعل منذ عقد من الزمان.

بعد هذا العرض الموجز للسياسة الروسية تجاه غرب آسيا، دعونا ننظر في الكيفية التي يمكن لموسكو من خلالها مساعدة الولايات المتحدة في إحداث تغييرات كبرى هناك، حال تلقيها حوافز مناسبة في أوكرانيا. يتطلب ذلك توافقًا مع أهداف روسيا في نزع عسكرة أوكرانيا، واستعادة حيادها الدستوري (كما كان قبل 2019، حينما تخلت كييف عن وضعها المحايد عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم). هذه التغييرات ستكون ضرورية لكي تنضم روسيا إلى خطط الولايات المتحدة لإنهاء الحروب، وضمان أمن إسرائيل، واحتواء إيران.

نظرًا لأن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، فإن موافقتها ضرورية لتمرير قرارات بشأن فلسطين ولبنان. الدور الروسي في الصراع الأوكراني يبدو سياسيًا بحتًا، لكن دورها في حل النزاع اللبناني قد يكون عسكريًا-إستراتيجيًا نظرًا لتأثيرها على سوريا. على سبيل المثال، قد تقنع موسكو دمشق باتخاذ تدابير مشددة لمنع أسلحة حزب الله، رغم أن هذا يبدو بعيد المنال.

يعد ترشيح ترامب لتولسي جابرد لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، التي تشرف على المجتمع الاستخباري الأمريكي، تطورًا محوريًا قد يؤدي إلى إعادة التفكير في نهج واشنطن تجاه سوريا. جابرد تؤيد استمرار بشار الأسد في السلطة، وقد وجهت انتقادات حادة لتركيا بسبب دعمها لجماعات تصفها بـ"الإرهابية". 

قال روبرت إف. كينيدي جونيور، مرشح ترامب لتولي حقيبة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية مؤخرًا إن الرئيس الأمريكي العائد يريد سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا التي تدعم في الوقت الراهن ميلشيات كردية تسيطر على معظم الثروة النفطية السورية. وخلال ولايته الأولى، حاول ترامب تنفيذ ذلك لكن مسعاه باء بالفشل حينها جراء المعارضة العنيفة التي أبدتها قيادات عسكرية. بيد أن الأمور ربما تختلف هذه المرة جراء التغيير في الظروف العالمية وديناميكيات الصراع الداخلي.

هذه الخلفية تمهد الطريق للنظر فيما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتسهيل الجهود الروسية المحتملة لإقناع سوريا بالموافقة على اقتراح مراقبة ومنع مرور الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله عبر أراضيها. تتطلع سوريا إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها، وترفض استمرار الاحتلال الأمريكي للمنطقة الشمالية الشرقية الغنية بالنفط. بناءً على ذلك، سيكون من الضروري أولاً تخفيف العقوبات تدريجيًا، شريطة التزام دمشق بالاقتراح المذكور، مع انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا كجزء من الاتفاق.

يُعد سيناريو تخفيف العقوبات الخيار الأسهل بين الخيارين، نظرًا لأن الجمهوريين سيسيطرون على الفرعين التنفيذي والتشريعي في الولايات المتحدة العام المقبل. بالمقابل، ينطوي السيناريو الثاني على مخاطرة محتملة، حيث قد تشن تركيا عملية عسكرية جديدة ضد من تصفهم بـ"الإرهابيين الأكراد" الذين تعتبرهم تهديدًا لسلامة أراضيها. تركيا نفذت بالفعل عدة عمليات مماثلة وتهدد بشكل متكرر بشن أخرى. لذلك، فإن هذا السيناريو ليس هامشيًا، لكنه يمكن تجنبه من خلال تعزيز التعاون بين روسيا والولايات المتحدة.

تقوم الجماعات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة بإدارة حكم ذاتي  لا يريد أن يخسر حقوقه السياسية حال عودته تحت سلطة دمشق التي لا تعترف به ولا تعتد بشرعية تطلعاته. بيد أن تقديم وعود ذات مصداقية بتخفيف مرحلي للعقوبات المفروضة من الولايات المتحدة قد يساعد روسيا على إقناع سوريا بإعادة النظر في ذلك الأمر. بالتوازي مع ذلك، قد يتم إحياء مشروع الدستور السوري الذي اقترحته روسيا عام 2017 على نحو يمهد الطريق لتسوية دائمة.

على كل حال، ستكون هناك ضرورة لتغييرات دستورية من أجل دمج هذا الكيان المستقل داخل الجمهورية العربية الموحدة. وقد تؤدي أية خطوات من هذا القبيل إلى حكم ذاتي رسمي أو إلى شكل من أشكال الحالات الخاصة لشمال غرب سوريا الإسلاموي المحتل من تركيا. وحتى إذا تعذر الوصول إلى اتفاق بين دمشق وأنقرة لحل هذا البعد من الصراع، فإن استبدال القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا بقوات روسية-سورية قد يكون رادعًا أمام أي عملية أخرى.

الأولوية الأهم بالنسبة لدمشق تكمن في إعادة بناء الدولة، وهو هدف لا يمكن تحقيقه دون تخفيف العقوبات المفروضة عليها واستعادة السيطرة على الثروة النفطية في شمال شرق البلاد. يتطلب ذلك التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، قد يُسهّله قبول سوريا بوقف إمدادات الأسلحة من إيران إلى حزب الله عبر أراضيها. ومع ذلك، قد ينظر محور المقاومة الذي تقوده إيران إلى هذه الخطوة على أنها خيانة، ما لم تتوصل حكومة إيرانية معتدلة أو إصلاحية إلى اتفاق مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل غير مباشر.

ذكرت تقارير حديثة أن إيلون ماسك، الذي لعبت منصته الاجتماعية "إكس" دورًا رئيسيًا في فوز ترامب بالانتخابات والذي سيكون مستشارًا مقربًا من الرئيس العائد، التقى مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة لمناقشة نزع فتيل التوترات. وذكرت مصادر لم تتم تسميتها المحادثات بـ "الإيجابية" و"الأنباء الجيدة". قد تكون التقارير حول رغبة ترامب في إحياء حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران من خلال تشديد العقوبات عليها كافية لانتزاع بعض التنازلات الإقليمية منها.

لا شك أن معسكر "المتشددين" أو "الأصوليين" في إيران، الذين ينافسون الحكومة "الإصلاحية" أو "المعتدلة"، قد يسعون دائمًا لإفشال الوصول إلى مثل هذا الاتفاق. على سبيل المثال، قد يقدم الحرس الثوري الإيراني على شن ضربات أحادية ضد إسرائيل. ومع ذلك، تظل النقطة الأهم هنا هي إمكانية خفض التصعيد وإبرام اتفاقيات إقليمية مترابطة إذا توفرت الإرادة السياسية. في أي ترتيبات محتملة، سيشمل الدور الروسي إقناع كل من سوريا وإيران بضرورة الدخول في مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة، خاصة للحصول على وعود بتخفيف العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، قد تطرح موسكو مقترحات لدعم هذا المسار.

بالتوازي مع ذلك، ومن خلال محاولة إقناع سوريا بوقف إمداد حزب الله بالأسلحة عبر أراضيها مقابل تنازلات أمريكية مرتبطة بأوكرانيا، قد تتمكن روسيا من العمل على استعادة الأمن على امتداد هضبة الجولان المتنازع عليها، والتي سبق لبوتين التعاون مع ترامب بشأنها في عام 2018. بيد أن الكثير من الأمور قد حدثت منذ ذلك الحين. وفي حال حدثت انفراجة سياسية، قد تتمكن روسيا مجددًا من المساعدة في إبعاد القوات الإيرانية من هناك على غرار ما فعلت في الماضي، وهو ما تحدث عنه بوتين سابقا.

علاوة على ذلك، تنص المادة 8.2 من مسودة الدستور السوري، التي صاغتها روسيا، التي تم تقديمها في أوائل عام 2017، على أن دمشق "ستدين الحرب باعتبارها انتهاكًا لسيادة الدول الأخرى ووسيلة لحل النزاعات الدولية"، في حال تم الاتفاق على هذا الجزء على الأقل. بمعنى آخر، ستبقى قضية مرتفعات الجولان مجمدة إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية سورية-إسرائيلية، مما سيزيل الذريعة التي تعتمد عليها إيران وحلفاؤها لتهديد إسرائيل انطلاقًا من تلك المنطقة.

تُمثل مطالب موسكو المحتملة من سوريا، مثل منع تجارة الأسلحة بين إيران وحزب الله عبر أراضيها، والاعتراف بالكيان الكردي ذي الحكم الذاتي، والتخلي عن قتال إسرائيل في الجولان، تنازلات كبيرة قد ترفضها دمشق في نهاية المطاف، بغض النظر عن الضغوط أو التطمينات الروسية. ومع ذلك، قد تزداد احتمالات قبول دمشق بهذه المطالب إذا قدمت الولايات المتحدة تنازلات تشمل الانسحاب من شمال شرق سوريا وتقديم وعود بتخفيف العقوبات بشكل تدريجي، وهو ما يمكن لروسيا أن تلعب دور الوسيط لتحقيقه.

كما أنّ تذليل هذه الأمور يرتبط بمدى التقدم الذي تحققه مفاوضات إيلون ماسك لنزع فتيل التوتر بين الولايات المتحدة وإيران من خلال تقديم أغنى رجل في العالم  وعودًا استثمارية تكون بمثابة الجزرة مقابل العصا المتمثلة في سياسة عقوبات "الضغط الأقصى" لإدارة ترامب. وعلاوة على ذلك، فإن التشجيع الروسي يمكنه أن يقطع  شوطًا طويلا في هذا الصدد. من المحتمل ألا يسير هذا التسلسل في الأحداث بالشكل المثالي أو لن يتحقق برمته.ويمكن أن تسوء الأمور من خلال تدخل تركي في سوريا مجددا، على سبيل المثال، أو ضربات أحادية للحرس الثوري الإيراني ضد إسرائيل.

إذا تلقت روسيا حوافز ووعودًا موثوقة تتعلق بتنازلات في الملف الأوكراني، فقد تلعب دورًا محوريًا في تحفيز الجانب السوري لاتخاذ قرارات حاسمة ضمن هذا التسلسل. وفي حال تحقق جزء من هذا التسلسل وأُجريت تغييرات كبرى في غرب آسيا، فقد ينعكس ذلك إيجابيًا على اليمن، الذي لا يزال على هامش الاهتمام الدولي، رغم إغلاق الحوثيين لمعظم حركة المرور بين أوروبا وآسيا عبر الممرات المائية المجاورة منذ عام.

لقد تبين أن الاقتصاد العالمي قادر على التكيف مع أوقات أطول وتكاليف أعلى للنقل التجاري البحري، في ظل افتقار الولايات المتحدة للإرادة اللازمة لاتخاذ إجراءات قوية تكسر الحصار الذي يفرضه الحوثيون. فالأمر يتطلب ما هو أكثر من ضربات جوية، إلا أن واشنطن لا تبدو مستعدة للقيام بغزو بري. ومن غير المتوقع أن يصل ترامب إلى هذا الحد، لكنه قد يكثف الضربات ضمن سياسة "الضغط الأقصى". كما أن فرض المزيد من العقوبات على إيران قد يُضعف الحوثيين تدريجيًا. علاوة على ذلك، قد يُسهم إبرام اتفاق مع إيران في تقليص نفوذ الحوثيين إلى حد ما.

إنّ الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس أو/ وحزب الله، لا سيما مع كليهما، قد يدفع الحوثيين إلى إنهاء حصارهم الذين يفرضونه تضامنا مع حلفائهم في "محور المقاومة" حسب مزاعمهم. ومع ذلك، لا يحظى المسرح اليمني، في الوقت الحالي، بأولوية في سياق الحروب المشتعلة في غرب آسيا بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل أو روسيا. بيد أن التفاعل بين هذه الأطراف وبين إيران (لا سيما العلاقات الثنائية الروسية-الإيرانية) قد يؤدي إلى حدوث تقدم نحو حلحلة هذا الملف لاحقًا، وتعتبر خطة حل الدولتين [للوضع في فلسطين] الأكثر استدامة.

ما يزال الطريق طويلا، إذ ينبغي تغيير بعض الظروف الإقليمية أولًا، وتحديدا الوصول إلى حل بشأن الحروب الأخرى في غرب آسيا، من أجل إعادة انتباه العالم إلى اليمن بعد فترة من الوقت. الكثير من الأمور أيضًا تعتمد عما إذا كانت إيران ستزداد قوة أو تضعف بناء على نتائج الصراعين المذكورين آنفا. ويبدو الدور السوري المحتمل للمساعدة في حل الصراع الإسرائيلي-اللباني عاملا رئيسيا في تحديد هذا المسار.

وختامًا، يمكن القول إن روسيا تبدو مستعدة للعب دور في حلحلة حروب غرب آسيا، بشرط أن تُقدَّم لها حوافز مناسبة تتعلق بالملف الأوكراني أولًا. إذا لم يحدث ذلك، فقد تترك موسكو الأمور لتسير على طبيعتها. والمفارقة أن روسيا ربما لا تعارض استمرار تلك الحروب، طالما أنها تُشتت انتباه الولايات المتحدة عن أوكرانيا بشكل نسبي، وتظل تحت السيطرة، بمعنى تجنب اندلاع صراع أوسع بين إسرائيل وإيران. وعلى أقل تقدير، فإن تحويل الولايات المتحدة مزيدًا من مواردها لدعم إسرائيل يعني تقليل الدعم المخصص لأوكرانيا.

الهدف الإستراتيجي الأكبر لروسيا يتمثل في بناء نظام عالمي جديد يحقق مصالحها بشكل أفضل بكثير من النظام الحالي. وبالتالي، فإن تعاونها مع الولايات المتحدة في غرب آسيا يُمكن أن يتحقق إذا أظهرت واشنطن رغبة جادة وواقعية، في إطار الحدود التي تم وصفها سابقًا. ولهذا، ربما لم يكن من قبيل العبث التصريح الذي أدلى به مؤخرًا وزير الخارجية البولندي راديك سيكورسكي، الذي قال بنبرة تهكمية: "هناك قرارات تلوح في الأفق على شاكلة بوتسدام قد تؤسس لنظام عالمي جديد لعقود قادمة."

ما ستتفق عليه روسيا والولايات المتحدة بشأن أوروبا قد يتأثر بشكل كبير بمدى توافقهما أو اختلافهما حول قضايا غرب آسيا. لدى واشنطن مصالح واضحة تتعلق بضمان أمن إسرائيل بشكل دائم بعد إنهاء الحروب الإقليمية واحتواء إيران. ويمكن لروسيا أن تساهم في تحقيق ذلك إذا استطاعت إقناع سوريا بتنفيذ المقترحات المطروحة. ورغم أن دمشق قد ترفض ذلك، إلا أنه يمكن تحفيزها باستخدام سياسة "العصا والجزرة".

إجمالا، ثمة فرصة فريدة لبناء نظام عالمي جديد في أعقاب الحرب بالوكالة في أوكرانيا بين الناتو وروسيا وحروب غرب آسيا بين إسرائيل ومحور المقاومة الذي تقوده إيران. بيد أن ذلك يتطلب تعاونا براجماتيا بين روسيا الولايات المتحدة من أجل هذا الهدف. فحدوث تغييرات كبرى أو بقاء الأمور كما هي سيعتمد على مدى نجاح الدبلوماسيين في العمل معا ومع شركائهم (سوريا/إيران والناتو/إسرائيل" بغية الوصول إلى مثل هذا الاتفاق.

د. أندرو كوريبكو
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة. 

- الآراء الواردة في هذا التحليل تعكس رأي المؤلف فقط
الكلمات المفتاحية:

فيديو