مشروع خط أنابيب الغاز والنفط الخليجي الى أوروبا

اقتصاد - منذ 3 شهر

فرص جديدة للتعاون الإقليمي وتأثيرات مستقبلية على روسيا وإيران

عين الجنوب | تحليل - إقتصاد

روسيا وما تعانيه من حصار وعقوبات، وأوروبا وما تعانيه من أزمة طاقة، يشهد العالم تحولات سريعة في سوق الطاقة وتغيرات جيوسياسية عميقة، حيث تعود أخبار إحياء مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط الخليج بتركيا عبر السعودية والأردن وسوريا كفرصة واعدة لتعزيز التعاون الإقليمي وتلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة في أوروبا. هذا المشروع، الذي طُرح لأول مرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، يعود إلى الواجهة في وقت تشهد فيه أوروبا أزمة طاقة غير مسبوقة بسبب تقلص إمدادات الغاز الروسي، أو بالأصح قطعه من قبل أوكرانيا.

هذا الخط من الأنابيب يمتد بطول حوالي 1500 كيلومتر، بدءاً من حقل غاز الشمال في قطر، مروراً بالسعودية والأردن وسوريا، وصولاً إلى تركيا، ومن ثم إلى الأسواق الأوروبية. حيث تُقدر تكلفة المشروع بحوالي 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن ينقل كميات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط الخليجي لتلبية احتياجات السوق الأوروبية. هذا المشروع ليس مجرد بنية تحتية لنقل الطاقة؛ بل هو جسر للتعاون الإقليمي يمكن أن يعزز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول المعنية. فمن ناحية، يسعى لتلبية احتياجات أوروبا المتزايدة من الطاقة وتنويع مصادرها بعيداً عن الاعتماد على الغاز الروسي. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يعزز التعاون الإقليمي بين الدول المعنية، بما في ذلك قطر والسعودية والأردن وسوريا وتركيا. لكن بالرغم من الأهمية الاستراتيجية للمشروع، إلا أن تنفيذه يواجه عدداً من التحديات الكبيرة. حيث يُعد الاستقرار في سوريا عامل حاسم لتنفيذ المشروع. على الرغم من التحولات السياسية والذي يفسره الدعم السعودي والقطري والتركي والأروبي للإدارة السورية الجديدة بالإضافة الى لبنان في ظل التوافق على رئيس للبلاد والذي حتماً ليس لمصلحة روسيا، نعم في سوريا ولبنان لا يزال الوضع الأمني يشكل تحدياً كبيراً، خاصة إذا دعمت روسيا إيران للتدخل من جديد. فسوريا، التي مزقتها الحرب لأكثر من عقد، تحتاج إلى استقرار سياسي وأمني لضمان مرور خط الأنابيب عبر أراضيها دون عوائق.

أيضاً يتطلب المشروع تنسيقاً وموافقات من الدول التي سيمر عبرها. السعودية، على سبيل المثال، لم تُعلن رسمياً عن موقفها من المشروع. هذا التردد يعكس التوترات الإقليمية التي قد تعيق التقدم في المشروع، ومع ذلك يمكننا تفسير الدعم الخليجي الأوروبي للإدارة الجديدة في سوريا والرئيس الجديد للبنان أن هناك تقارب تركي خليجي أوروبي ومصالح مشتركة، قد يكون هذا المشروع أحدها.

ربما قد يطرح البعض أن مع التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة والتزام أوروبا بالحياد الكربوني بحلول عام 2050، قد تتأثر الجدوى الاقتصادية للمشروع. لكن الإحتياج الأوروبي الحالي يفرض عملية تنفيذ المشروع.

ومع ذلك، لا يمكن تحليل هذا المشروع بشكل إيجابي بحت، دون النظر إلى انعكاساته على روسيا، التي تعتبر أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا. فإذا تم تنفيذ المشروع، حتماً سيوفر لأوروبا بديلاً مهماً للغاز والنفط الروسي، مما قد يقلص النفوذ الجيوسياسي لروسيا في اوروبا حرفياً. فروسيا، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة لتمويل اقتصادها، قد تواجه تحديات كبيرة إذا فقدت حصتها في السوق الأوروبية. هذا التحول سينعكس بشكل سلبي جداً على إقتصاد روسيا وحتى قوتها العسكرية أيضاً. لكن روسيا من المتوقع أنها لن تظل تشاهد، فإيران، بصفتها حليفاً استراتيجياً لروسيا، قد تلعب دوراً مهماً في هذه المعادلة. فإذا شعرت إيران بأن هذا المشروع يهدد مصالحها أو مصالح روسيا، قد تحاول تعطيله أو التأثير على مساره. والبداية ستكون من سوريا، إيران رغم سقوط نظام الأسد لاتزال لديها نفوذ كبير في سوريا، ويمكنها استخدام هذا النفوذ لإعاقة تنفيذ المشروع إذا رأت فيه تهديداً لمصالحها ومصالح روسيا، أضف الى ذلك النفوذ الإيراني في لبنان من خلال حزب الله، والحوثيبن في شمال اليمن الذين كلما شد الخناق عليهم لجأوا الى تهديد دول الخليج.

من ناحية أخرى، ربما قد ترى إيران في هذا المشروع فرصة لتعزيز علاقاتها مع الدول المعنية، خاصة إذا تم إشراكها في المشروع بشكل أو بآخر. فإيران لديها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، وقد تسعى إلى الاستفادة من هذا المشروع لتصدير غازها إلى أوروبا عبر نفس الخط، لكن من المرجح ان هذا لن يحصل، فالعقوبات الغربية على إيران، أضف اليها تواجد السعودية في هذا المشروع، يقف حائلاً حول أي إستفاده إيرانية فيه.

وعلى الرغم من التحديات المذكورة، يظل المشروع ذا أهمية استراتيجية، حيث يمكن أن يعزز التعاون الإقليمي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول المعنية. كما يمكن أن يوفر بديلاً أفضل لأوروبا لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يدعم الاقتصاد السوري من خلال توفير عائدات مالية تحتاجها البلاد لجهود إعادة الإعمار، إضافة الى فوائد تعود بالنفع للإردن.

ربما في الوقت الحالي، لا توجد اتفاقيات رسمية بين السعودية وقطر وسوريا وتركيا لتنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز والنفط إلى أوروبا، او بالأصح إتفاقيات معلنة. ومع ذلك، فإن التطورات السياسية والاقتصادية المستقبلية قد تعيد هذا المشروع إلى الواجهة، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في سوق الطاقة العالمي.

هذا المشروع هو مشروع إستراتيجي بكل المقاييس؛ أيضاً يعبر عن شبكة معقدة من العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية التي يمكن أن تعيد تشكيل خريطة الطاقة في المنطقة والعالم. والسؤال الان، هل سيكون هذا المشروع بداية لعصر جديد من التعاون بين دول الخليج وأروبا، ام أنه مشروع سيزيد من تعقيد الصراعات الحالية في الشرق الأوسط، خاصة عندما ننظر الى الدور الروسي الإيراني المحتمل؟

فيديو