تحليل تدهور الريال اليمني الأسباب والمعالجات

دراسات وتحليلات - منذ 4 أيام

عين الجنوب | تحليل - خاص

لا شيء يهدد اقتصاد بلد مثل انهيار عملته. ففي الجنوب، أصبح تدهور الريال اليمنب مشهد مألوف، تتغير أرقامه يومياً في محلات الصرافة، وتتآكل قيمته أمام أعين المواطنين الذين يراقبون أسعار السلع وهي تقفز بلا توقف. أزمة العملة هي مرآه لمعادلة سياسية واقتصادية مترابطة، حيث تتداخل العوامل الداخلية والإقليمية والدولية، فتخلق دوامة يصعب الخروج منها دون حلول جذرية.

من أين يبدأ هذا الانهيار؟ بدأ هذا الإنهيار عندما قامت الحكومة في طباعة كميات كبيرة من العملة دون غطاء نقدي، مما أدى إلى تضخم غير مسبوق. ولكن القصة أعمق من ذلك. الانقسام الحاد في السياسة النقدية بين البنك المركزي في عدن ونظيره في صنعاء خلق اقتصادين منفصلين، حيث نأت الميليشيات الحوثية بنفسها، ما زاد من الفجوة وأحدث اضطراباً في أسواق الصرف. وفي ظل غياب رقابة صارمة، وجد المضاربون في هذا الانقسام فرصة ذهبية لاستغلال الفوضى وتحقيق أرباح على حساب معاناة المواطنين. أيضاً الأمر لا يتوقف عند حدود الطباعة والمضاربات، بل يتعداه إلى جذور الأزمة؛ يشمل ذلك غياب الاستقرار السياسي والأمني. فالاقتصاد لا يزدهر في بيئة مضطربة، والثقة المالية لا تنمو عندما تتصارع الأطراف. المستثمرون والتجار، وحتى المواطن العادي، يبحثون عن ملاذ آمن لأموالهم، فيتجهون نحو العملات الأجنبية، مما يزيد من الضغط على الريال ويدفعه إلى مزيد من التراجع، وحتى الآن اصبح أبسط تاجر يمتلك بقالة عادية يعمل بشكل دوري لتحويل أمواله الى العملة الصعبة.

كما علينا أن لا نتغافل عن خلفية المشهد، حيث تلعب القوى الإقليمية والدولية دور غير مباشر، وأحياناً مباشر، في هذه الأزمة. التحالف العربي كمثال قدم دعم مالي على فترات متقطعة، لكنه ظل محدود التأثير بسبب غياب استراتيجية واضحة لاستدامته، حيث تصرف الأموال دون أي مساءلة، ولنا أن نتخيل أن الصرفيات والوثائق التي يتم صرفها يتم الحصول عليها مقابل ورقة من مسؤول، المساءلة حول أين تذهب الأموال غير موجودة، التدقيق المالي لا يوجد، وفقاً لتقرير نشرته جهه دولية. أيضاً المؤسسات المالية الدولية، من جهتها، تفرض قيوداً على التحويلات المالية، ما يحد من تدفق العملات الصعبة إلى المنطقة. وفي الوقت نفسه، هناك دول تستفيد من هذه الأزمة عبر شبكات المضاربة والتهريب، حيث يتم تصدير العملة الصعبة خارج البلاد، فيما تزداد السوق المحلية عطشاً لها، حتى بعد مبادرة إغلاق بعض المصارف الغير مرخصة ... اصبح المضاربة بالعملة بشكل مباشر عبر الحدود او كيانات غير رسمية ظاهرة ملحوظة في الجنوب. 35 مليار دولار قام الحوثيين بتحويلها الى إيران هل يعقل أنه حصدها من بيع القات.

إزاء هذا الوضع، لا يمكن انتظار معجزة لإنقاذ العملة. الحلول تبدأ من الداخل، حيث يجب إعادة هيكلة البنك المركزي في العاصمة عدن ليكون قادراً على اتخاذ قرارات مالية فعالة، بعيداً عن الضغوط السياسية والتدخلات الخارجية. لا بد من وقف طباعة العملة العشوائية، واستعادة الثقة في النظام المصرفي، وإعادة ربطه بالأسواق العالمية لضمان تدفق التحويلات المالية بحرية.

ولكن الحل ليس مالياً فقط، بل سياسي واقتصادي في الوقت نفسه. لا يمكن لأي إجراء نقدي أن ينجح دون استقرار سياسي وأمني. تعزيز سلطة حكومة قوية ومسؤولة في الجنوب سيمكنها من فرض سياسات مالية أكثر كفاءة، وإعادة ضبط سوق الصرف، وإغلاق شركات المضاربة غير المرخصة بما فيها الغير رسمية (عصابات المضاربة) التي تستنزف الاقتصاد. كما أن استئناف تصدير النفط والغاز، وإعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية، سيمثلان مصدر مستدام للعملة الصعبة بدلاً من الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي.

المواطنين في الجنوب لا يحتاجون إلى حلول ترقيعية، بل إلى خطة متكاملة تعيد التوازن إلى الاقتصاد وتحمي العملة من الانهيارات المتكررة. الأمر لا يتعلق فقط بأسعار الصرف، بل بمستقبل بلد ومستوى معيشة شعب بأكمله. فمن دون استقرار اقتصادي، سيظل الجنوب يدور في دوامة الأزمات، حيث تتغير الوجوه السياسية، لكن المعاناة تبقى ثابتة. الوقت لم يعد يسمح بالمزيد من التردد، بل يحتاج إلى قرارات جريئة تعيد الثقة إلى الأسواق، وتضع الجنوب على مسار اقتصادي أكثر استقراراً.

فيديو