تحليل |هجمات إرهابية وحملات إعلامية تستهدف الجنوب

دراسات وتحليلات - منذ 7 ساعات

من يقف وراها؟

عين الجنوب | تحليل - خاص


من فترة الى آخرى نرى الاخبار تتوالى حول هجوم إرهابي محاولات تسلل حوثية، حملات إعلامية ممنهجة، ولا زال هناك جنوبي لم يستوعب المؤامرات التي تستهدف آمنه وإستقراره، لقد اضحى جلياً أن الاستهداف المتكرر للقوات الجنوبية، سواءاً الدعم والإسناد في أبين أو قوات أخرى جزء من مشهد متكامل تحركه أيادي متعددة، تتباين أهدافها بين ضرب الاستقرار الأمني، وإعادة تموضع القوى المتصارعة، واستنزاف المجهود العسكري للقوات الجنوبية في معارك متفرقة.  

في أبين، استشهاد الجندي صابر صالح مساعد، برصاص قناصة في مديرية مودية، التي تعد منطقة كانت معروفة بأنها مرتع سابق لتنظيم القاعدة المدعوم إخوانياً. هذه المنطقة كانت على مدى سنوات خاضعة لسيطرة التنظيم، وكانت تستخدم كقاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية تجاه عدن وشبوة ولحج. ومع العمليات العسكرية التي قادتها القوات الجنوبية بدعم من التحالف العربي، تم طرد التنظيم من معاقله التقليدية، لكنه لم يُهزم بشكل كامل، بل دخل في مرحلة الكمون، منتظراً الفرصة المناسبة للعودة.  

الهجوم الذي استهدف الجندي في مودية يحمل آثر قناصة محترفين، وهي استراتيجية معروفة لدى تنظيم القاعدة، الذي يعتمد على تكتيكات حرب العصابات والضربات السريعة التي تُربك القوات النظامية. هذا النوع من العمليات، الذي يعتمد على استهداف الأفراد بدقة عالية، يشير إلى أن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نشطة داخل هذه المناطق، رغم الحملات الأمنية المستمرة. والأخطر من ذلك أن هذه العمليات تتزامن مع تصاعد الحملات الإعلامية ضد القوات الجنوبية، وكأنها رسالة مزدوجة من جهة، استنزاف أمني عبر هجمات إرهابية، ومن جهة أخرى، استنزاف سياسي وإعلامي عبر التشكيك الممنهج. ففي حضرموت، تم استهداف قوات درع الوطن في العبر والذي جاء في توقيت حرج جداً مما أدى إلى استشهاد الجندي سالم أحمد باقديم وإصابة جندي آخر. ، هذه القوات، التي أُنشئت بدعم من التحالف العربي، وُضعت منذ البداية في مواجهة تحديات معقدة، أبرزها غياب القبول الشعبي الواسع في بعض المناطق، والتنافس الحاد بينها وبين الفصائل المدعومة يمنياً. ومع تزايد العمليات ضدها، يتضح أن هناك أطراف تسعى إلى ضربها في عمق مناطق انتشارها، لإظهارها كقوة غير قادرة على فرض الأمن، 

لكن إذا نظرنا إلى المشهد من زاوية أوسع، فإن هذه العمليات لا يمكن فصلها عن ديناميكية الصراع الأكبر في الجنوب. فهناك ثلاثة أطراف رئيسية تستفيد من هذا التصعيد؛ الأول، تنظيم القاعدة، الذي يحاول إعادة فرض نفوذه عبر استنزاف القوات الجنوبية من خلال حرب جبانة، مستغلاً الطبيعة الجغرافية الوعرة لهذه المناطق، والتي تمنحه ميزة تكتيكية في تنفيذ ضرباته. الثاني، جماعة الحوثي، التي وإن لم تكن فاعلة بشكل مباشر في هذه العمليات، إلا أنها تدعم إعلامياً وسياسياً وعسكريا ولوجستياً كل ما يؤدي إلى إضعاف القوات الجنوبية، لأن ذلك يتماشى مع استراتيجيتها في إبقاء الجنوب غارقاً في أزماته الأمنية. الثالث، القوى المرتبطة بحزب الإصلاح، التي لا تزال تنظر إلى قوات درع الوطن والقوات الجنوبية كعائق أمام مشاريعها، ولذلك تلجأ إلى التحريض الإعلامي، وفي كثير من الحالات، التواطؤ مع هذه الجماعات الإرهابية لخلق حالة من الفوضى تخدم أجندتها.  

ومن هنا، فإن الحديث عن أن هذه العمليات هي مجرد تصرفات معزولة ينطوي على سذاجة سياسية، لأن تكرار نفس التكتيك في أكثر من منطقة، وبالتزامن مع تصعيد إعلامي ممنهج، يدل على أن هناك غرفة عمليات تدير هذا الملف بشكل دقيق، وتسعى إلى تحقيق أكثر من هدف في آن واحد؛ استنزاف القوات الجنوبية ميدانياً، وتشويه صورتها إعلامياً، وإضعاف ثقة الشارع بها، لإعادة إنتاج حالة من الفوضى تُعيد خلط الأوراق في الجنوب. 

إن القراءة المتأنية للمشهد تفرض علينا أن ندرك أن ما يجري أبداً لا يمكن إعتباره مواجهات أمنية بين قوات ومجموعات إرهابية، بل هو فصل من فصول الصراع على مستقبل الجنوب. فإما أن تبقى هذه القوات قادرة على مواجهة التحديات، وتحافظ على تماسكها رغم الهجمات السياسية والعسكرية، أو أن تسقط في فخ الاستنزاف التدريجي، الذي من المؤكد لن يكون في مصلحة المشروع الوطني الجنوبي وعلى الشعب الجنوبي أن يعي تحديات هذه المرحلة جيداً 

ولذلك، فإن المطلوب اليوم بشكل عام هو تكثيف العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية، وإدارة المعركة الإعلامية والسياسية بحرفية عالية، لمنع أي محاولة لإضعاف هذه القوات عبر الدعاية المغرضة، فمعركة القوات الجنوبية هي معركة على الأرض، ومعركة بناء العقول الذي تحاول قوى الإرهاب تضليلها عن الحقائق والواقع، فهل آن الأوان لشعب الجنوب أن يدرك من يستخدم شتى الأساليب المتلونة من اجل العودة لإحتلاله ومن يقف هنا ليحميه حتى هذه اللحظة.

فيديو