4 مايو، زخم جنوبي تاريخي وتحول نحو العمل المؤسسي والمنظم سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً

دراسات وتحليلات - منذ 20 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص


لقد شكل اعلان عدن التاريخي لحظة وعي فارقة في المسار السياسي الجنوبي، ومفصلاً جوهرياً في نضج المشروع الجنوبي الوطني التي طالما ناضل من أجله شعب الجنوب منذ الغزو اليمني للجنوب قبل ثلاثة عقود. الإعلان هو صياغة واعية لرؤية سياسية جديدة تقوم على ارادة الشعب الجنوبي، واستعادة السيادة، وبناء مؤسسات الدولة وفق أسس حديثة تعيد الاعتبار لروح الجنوب وهوية شعبه واستعادته لأرضه.

قبل هذا الإعلان، ظل الجنوب في نظر كثير من الأطراف الإقليمية والدولية ساحة لفصائل متفرقة، ومكونات حراكية متعددة، ومقاومات محلية مشتتة الجهود. لم يكن ثمة مركز واحد للقرار، ولا خطاب موحد يتحدث باسم الجنوب. أما بعد إعلان عدن التاريخي، فقد أُعيد تعريف الجنوب على الخارطة السياسية كقضية أساسية وشعب له ممثل سياسي شرعي، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تشكل بتفويض شعبي تاريخي، وأصبح يعبر عن الإرادة الجمعية للشعب الجنوبي في الداخل والخارج.

هذا الحدث التاريخي كان إعلاناً لميلاد كيان سياسي فاعل ومنظم، يحمل مشروع متكامل، يملك الارادة والرؤية لبناء دولة حديثة، تحكمها المؤسسات، ويقودها القانون. ومنذ ذلك الوقت، سلك المجلس الانتقالي طريق التأسيس؛ فعمل على تعزيز مداميك الدولة الجنوبية، وبناء مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية، وتحالفات إقليمية مصيرية، ومحاولة إصلاح البنية الحكومية في محافظات الجنوب، رغم العراقيل المتعددة والواقع المتشابك.

الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، بصفته قائداً سياسياً وعسكرياً وطنياً ومخلصاً حمل على عاتقه مهمة وطنية تتمثل في تحقيق تطلعات شعبه. فلم يساوم على الهدف الأساسي، المتمثل في استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، وظل ثابتاً في خطاباته وتحركاته على هذا المسار، محافظاً على توازن بين الثبات على الثوابت الوطنية، والانفتاح البراغماتي على المجتمع الدولي. هذا الانضباط السياسي أكسب المجلس تدريجياً اعترافاً دولياً متصاعداً، وتعاملاً رسمياً من قبل العديد من الدول والجهات، لم يكن متاحاً لأي كيان جنوبي سابق.

لقد أوجد المجلس الانتقالي لغة جديدة للجنوب، لغة الدولة، والمؤسسات، والمخاطبة الواقعية للعالم. ونجح، رغم التحديات الاقتصادية والأمنية، في بناء الثقة، بأن هناك من يمسك بخيوط المسار، ويمضي بثقة نحو هدف لم يعد شعاراً، بل مساراً مؤسسياً تتشكل ملامحه كل يوم.

إن إرث إعلان عدن التاريخي اليوم يتمثل في ذلك التحول العميق في وعي الجنوبيين، من نضال شعبي إلى سعي منظم لبناء كيان متكامل، ومن فصائل مشتتة إلى قوة موحدة تتحدث باسم شعب وتدافع عن مصالحه، ومن ردود الفعل إلى صناعة المبادرة السياسية. وقد بدأ يدرك العالم، تباعاً، أن الجنوب لم يعد مجرد ملف معلق، بل إرادة سياسية تعبر عن شعب جنوبي يصر بكل ثبات وعزيمة على أن يكون له قراره ومستقبله وسيادته على ارضه بحدود ما قبل 21 مايو 1990.

فيديو