أسبوع عالمي حافل يستحق التوقف لقراءته من وجهه نظر جنوبية

دراسات وتحليلات - منذ 1 شهر

عين الجنوب | تحليل - خاص

استعراضات دولية جارية هذا الاسبوع، حيث يتشكل نظام عالمي جديد يتسم بتعدد الأقطاب، وبتنافس متصاعد بين الشرق والغرب على مناطق النفوذ والموارد. الأسبوع الحالي كان حافلاً بالمؤشرات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تعكس هذا الواقع، حيث استعرضت روسيا قوتها وتحالفاتها في الذكرى الثمانين للانتصار على النازية، بمشاركة دول حليفة كتنين الشرق ودول أفريقية ولاتينية وحتى أوروبية، في دلالة واضحة على أن موسكو لا تزال تحتفظ بقدرة على الحشد الدبلوماسي رغم عزلتها الغربية.

في المقابل، سجلت الولايات المتحدة موقفاً قوياً اليوم عبر زيارة تاريخية للرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج بدأت من الشقيقة الكبرى،، حملت معها رسائل تعاون ودعم اقتصادي وتجاري واستراتيجي ملفت جداً. وكانت لافتة مشاركة عمالقة الشركات الأميركية، مما يدل على التقاء المصالح الاقتصادية مع الرؤية الجيوسياسية، في وقت تتصاعد فيه المنافسة مع بكين وموسكو على النفوذ العالمي، لا سيما في الشرق الأوسط.

في هذا السياق المتشابك، تبرز قضية الجنوب كملف إقليمي معقد يعاني من الإستقطابات الاقليمية والدولية بسبب موقعه ومواراده وعمق تأثيره في معادلة الاستقرار في شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي. القيادة الجنوبية في المجلس الانتقالي الجنوبي المفوض شعبياً يبذل جهداً مستمراً لتوحيد الجنوب تحت مظلته، في مسعى لتحقيق تطلعات الشعب الجنوبي الصامد نحو استعادة الدولة الجنوبية بحدودها المعترف بها دوليا قبل 21 مايو 1990 ، لكن الطريق يستحق التوقف عنده لتقديم تحليل موضوعي للتحديات الداخلية والخارجية.

اولاً الولايات المتحدة، التي تظهر براغماتية وانفتاح مشروط تجد نفسها عملياً مستفيدة من بقاء الحوثيين في الشمال، إذ يسهم ذلك في إبقاء دول الخليج، خصوصاً المملكة العربية السعودية الشقيقة، في حالة ارتهان أمني يجعلها أقرب إلى واشنطن. كما أن استمرار الصراع يوفر للولايات المتحدة فرصاً لتوظيف نفوذها، وضمان صفقات تسليحية واستثمارية واستراتيجية.

من جهة أخرى، تربط واشنطن علاقات متشابكة مع عدة أطراف إقليمية، مثل قطر وتركيا. فبينما تركز الإمارات الشقيقة والحليفة الاوثق إلى دعم الجنوب وتشترك معه في عدائه للإخوان المسلمين، تميل قطر وتركيا إلى دعم الإخوان الذين يشكلون عدواً سياسياً رئيسياً لتطلعات الشعب الجنوبي. واللافت أن جميع هذه الأطراف تُعتبر من حلفاء الولايات المتحدة بدرجات متفاوتة، مما يجعل واشنطن مقيدة في خياراتها، حيث تستخدمهم كوسائل ضغط للحصول على تنازلات او فرض رؤى سياسية معينه. بعكس روسيا والصين، فهما يتبعان نهجاً تحالفياً على المدى الطويل يقوم على تعزيز النفوذ الاقتصادي والعسكري دون التدخل المباشر في صياغة الأنظمة السياسية. وقد يتيح هذا للمجلس الانتقالي هامشاً أوسع للحركة، إذ أن بكين وموسكو قد تكونان مستعدتين لدعم الجنوب اقتصادياً أو عبر الاستثمار في الطاقة والبنية التحتية بجانب الحليف الاساسي وهو الإمارات العربية المتحدة، دون فرض اشتراطات ديمقراطية أو شروط تتعلق بشكل نظام الحكم.

في الجانب الاخر تسعى المملكة العربية السعودية إلى يمن موحد كضرورة أمنية لمواجهة ميلشيا الحوثيين، لذا فإن دعمها لاستقلال الجنوب يبدو غامضاً حتى الآن. كما أن إيران، الحليف الرئيسي للحوثيين، تمتلك شبكة علاقات تمتد إلى موسكو وبكين ولا نستبعد الولايات المتحدة ايضاً، مما يجعل الموقف أكثر تعقيداً، إذ أن القوى الكبرى جميعها تحتفظ بعلاقات مع أطراف متضادة داخل المنطقة.

وفي ظل كل هذه التوازنات، يبدو الجنوب أمام خيارات دقيقة، تستوجب حساً عالياً من البراغماتية والاستعداد لبناء تحالفات مرنة. من خلال السعي لتكامل اقتصادي مدروس مع قوى متعددة.

المرحلة تتطلب إدراكاً عميقاً بأن التنافس الدولي سواء في الشرق او الغرب لا يدور حول القيم بقدر ما يدور حول المصالح. ومن هذا المنطلق، ينبغي للقيادة الجنوبية أن تعزز أوراقها التفاوضية عبر توحيد الصف، وتحقيق أعلى مستوى من الاستقرار الداخلي، وإظهار الجاهزية لاستقبال الاستثمار الخارجي وفق قواعد شفافة. كما يتوجب الانفتاح على مراكز الأبحاث الدولية، وصياغة خطاب عقلاني يعبر عن تطلعات شعب الجنوب، بجانب تمكين لوبيات جنوبية بشكل اكبر في كل العواصم العالمية ذات الثقل.

وبالمختصر، الجنوب حقيقة هو عقدة استراتيجية في شبكة التوازنات الإقليمية والدولية. ومن هنا فإن القرار الصائب يكمن في قراءة هذه التوازنات بدقة، والانطلاق من الواقع لبناء مستقبل قابل للحياة، مدعوم بتحالفات متنوعة، واقتصاد مرن، وقيادة قادرة على المناورة دون التفريط بالثوابت الوطنية، والتي على اثرها الطرف الذي سيدعم هذه الثوابت هو من سيحدد توجه الجنوب بشكل فعلي، بالتكامل مع الحلفاء الأساسين الحاليين في دول الخليج العربي

فيديو