قراءة في النقاش حول تحديات الاستقرار في الجنوب | ندوة سوث 24

دراسات وتحليلات - منذ 1 يوم

عين الجنوب | تحليل - خاص


في ندوة نظمها مركز سوث24 في 29 مايو 2025، تحت عنوان تحديات الاستقرار في جنوب اليمن: الأزمة الاقتصادية، التنافسات السياسية، والتهديدات الحوثية، شارك عدد من الخبراء المحليين والدوليين لمناقشة التحديات التي تواجه الجنوب. سلطت الندوة الضوء على الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية، مع تطرق لـ دور المجلس الانتقالي الجنوبي والتحديات التي يواجهها في سعيه نحو الإستقلال او نحو الحكم الذاتي والاستقرار. 

أشار توماس جونو، الأستاذ في جامعة أوتاوا، إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي يواجه تحديات متعددة في تحقيق الحكم الذاتي، مؤكداً على ضرورة توسيع نطاقه السياسي لاستيعاب مزيد من المكونات الجنوبية. كما أوضح أن الحصول على دعم خارجي يتطلب توسيع اللعبة السياسية، وهو أمر يحتاج إلى الصبر والوقت. فالواقع الحالي يوضح أن الجنوب يعيش حالة من التوازن الصعب: المجلس الانتقالي الجنوبي المفوض شعبياً يطمح إلى انتزاع اعتراف دولي بالجنوب كدولة مستقلة، لكن حضوره داخل الحكومة الشرعية يكبله بقيود التعامل الدولي معها. هنا تبرز معضلة (الشرعية الهشة) الجنوب يسعى للاستقلال وفي ذات الوقت شريك في حكومة يفترض انها تمثل الجنوب والشمال. هذا التناقض هو ما ركز عليه الخبراء في وقت سابق في ندوة نظمها سوث 24، معتبرين أن أي مشروع جنوبي مستقل بحاجة إلى تفكيك الشرعية أولاً أو على الأقل، إعادة تعريفها لتكون قادرة على استيعاب مشروع دولة جنوبية مستقلة ضمن معادلة سياسية جديدة، يمكن تعزيز ذلك من خلال الاستمرار في خيارات الاستقلالية المؤسساتية عبر تفعيل المؤسسات الجنوبية وفرض واقع اداري جنوبي، هذا بحد ذاته يجعل الشرعية في حالة وجود شكلي فقط.

وفي سياق اوسع تحدث أدريان كالامل من مركز واشنطن أوتسايدر عن أهمية المجلس الانتقالي الجنوبي ككيان مهم للتنسيق معه، مشيراً إلى أن العمليات الجوية ضد الحوثيين كانت بحاجة إلى تكامل على الأرض لتحقيق الفعالية. كما أكد على ضرورة التعاون بين الولايات المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي ليس فقط لقتال الحوثيين، ولكن أيضاً لمواجهة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش. فمن منظور الأمن الإقليمي، كان التهديد الحوثي محوراً رئيسياً. لم يُطرح كعدو مباشر فقط، بل كعامل يفتح الباب أمام تدخلات إيرانية أوسع وأمام تهديد الممرات البحرية في باب المندب وخليج عدن. هذا الطرح بالغ الأهمية لأنه يربط مصير الجنوب بقوى إقليمية تتجاوز الحدود. بمعنى آخر، الاستقرار الجنوبي لن يتحقق بدون تحصين أمني إقليمي، وهو ما يدفع المجلس الانتقالي إلى لعب أدوار حارس الممرات البحرية ليكسب الشرعية الدولية. فريدة أحمد من مركز سوث في نقاش سابق نوفمبر 2024 سلطت الضوء على التهديدات الأمنية والعسكرية التي يواجهها الجنوبيون، بما في ذلك الهجمات التي تنفذها الجماعات الإرهابية المنتسبة لتنظيم القاعدة في أبين وشبوة. أشارت إلى أن المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت خي ايضاً تمثل تهديداً للجنوب وجهود استعادة الدولة. كما اعتبرت أن الحوثيين يشكلون تهديداً عسكرياً استراتيجياً، إلى جانب القوى الشمالية. لفتت إلى التهديدات التي تواجهها الممرات نتيجة الهجمات البحرية التي يشنها الحوثيون بدعم إيراني في خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، بالإضافة إلى تقارير عن تعاونهم مع حركة الشباب الصومالية المتطرفة.

من جانب آخر أوضح آري هيستين من معهد القدس للاستراتيجية والأمن في ندوة الامس أن الحوثيين أخفوا حجم خسائرهم بسبب الضربات الإسرائيلية، لكنها كانت كبيرة. وأشار إلى أن هجماتهم المستمرة هي جزء من استراتيجيتهم لإظهار أنهم لا يزالون يحتفظون بالقوة. 

اما على المستويين الاجتماعي والاقتصادي فالطرح في نقاشات سابقة مثلتها ندوة في نوفمبر 2024 كانت أكثر محورية وتركيزاً وعمقاً في الحديث عن الوضع الاقتصادي بين صنعاء وعدن، وعن فشل الوحدة في توفير أبسط مقومات الحياة، وعن تحوّل الجنوب من مصدر اقتصادي مستقر نسبياً إلى منطقة منكوبة اقتصادياً هذا يضفي طابعاً تاريخياً وقانونياً وواقعياً على النقاش، حيث يتحول الاستقلال من مشروع سياسي إلى ضرورة إنسانية ومشروعة، فالاستمرار في الوحدة يعني استمرار الأزمات المعيشية في نظر الاطروحات الجنوبية، د. عبد الجليل شائف (رئيس منظمة أصدقاء جنوب اليمن):  أوضح أن الوضع الاقتصادي في دولة الجنوب سابقاً كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن، مما يعكس فشل الوحدة على هذا المستوى. وأشار إلى وجود كارثة إنسانية مهملة في الجنوب بسبب انهيار العملة المحلية وتضاعف أسعار السلع الغذائية. 

عمرو البيض (الممثل الخاص لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي للشؤون السياسية): قدم عرضاً تاريخياً في وقت سابق لمسار حركة التحرر الوطني في الجنوب، مشيراً إلى أن إعلان فك الارتباط عن شمال اليمن في مايو 1994 كان بداية لجهود استعادة دولة الجنوب. أوضح أن الأزمة في المنطقة ترتكز على عاملين رئيسيين: فشل مشروع الوحدة وغزو الجنوب في 1994، والحرب التي شنها الحوثيون عام 2015. وأشار إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي تأسس لمعالجة هذا الفشل من خلال تحقيق استقلال الجنوب، كما أكد أن اتفاق الرياض (2019) كان يهدف إلى تمثيل قضية الجنوب ضمن العملية السياسية وتقديم الخدمات والأمن للسكان. 

كارين دابروفوسكي من جانبها أشارت إلى أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، قد يتعامل مع الأطراف الأقوى على الأرض، مما يعني أن المجلس الانتقالي الجنوبي بحاجة إلى تعزيز موقعه السياسي والعسكري لضمان تمثيله في أي مفاوضات مستقبلية، وهذا ما تأكد في نقاش الامس، بالرغم أن الدبلوماسيين الأمريكيين أبدوا تحفظاً براغماتياً، لكن هم يعترفون بالحقائق على الأرض قوة المجلس الانتقالي شعبياً وعسكرياً، ومع ذلك هم يدفعون باتجاه حل سياسي مع اشارات واضحه للحصول على دعم اتسم بالبراغماتية الغربية، وهو ما يفتح نافذة، أي دعم غربي قد يُمنح للجنوب، لكنه مشروط دائماً بالإصلاحات السياسية وبناء هياكل حكم رشيدة وشاملة.

وبالمختصر، ندوة الامس والندوات السابقة عكست أن المجلس الانتقالي بقوته وشعبيته وحلفاؤه ودبلوماسيته يواجهون اختباراً مزدوجاً، القدرة على فرض أمر واقع عسكرياً وسياسياً داخلياً، والقدرة على إقناع العالم بأن مشروع الاستقلال ليس مجرد نزعة نخبوية، بل مشروع لدولة قادرة على تحقيق الاستقرار وحماية المصالح الإقليمية والدولية. النقاشات عكست هذا التحدي بشكل مباشر واحياناً ضمنياً، ومن وجهه نظر جنوبية يعزى ذلك الى أن الجنوب يملك أوراقاً مهمة (الموقع الجيوسياسي، والدعم الشعبي) لكن في نفس الوقت يحتاج إلى خطاب جامع يتجاوز التنافسات الداخلية ويوصل رسائل مقنعة للخارج، ومن هنا يبدو أن قرار الرئيس عيدروس الزبيدي بتعيين صالح الفردي متحدثاً رسمياً للمجلس الإنتقالي هو إجراء ينم عن إدراك للنظرة الدولية للواقع في الجنوب بحكم المعرفة بالواقع الجغرافي وخبرة سابقة.

فيديو