الذكاء الاصطناعي بين الطموح نحو التنمية والأطر الانسانية للتحول التكنولوجي

تقارير - منذ 4 أيام

عين الجنوب | تقرير - خاص


في قلب عقد 2020 يتجدد نموذج نحو المستقبل بامتيازه وتحدياته. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرّد تقنية: إنه واحدة من أهم أدوات التحوّل في شتّى مناحي الحياة، يقودها تضافر دولي ومشاريع شاسعة، ويتطلب رؤية متزنة بين التقدم والمسؤولية.

كل فجر يحمل معه تقدما: من نماذج لغوية تتعلم آلاف اللغات وتنتقل بين النصوص والصور، إلى مراكز بيانات ملازمة للطاقة الضخمة تُشغل عالم اليوم. لكن الصورة الأوضح جاءت من رؤى شخصيات مثل ماسايوشي سون، رئيس SoftBank، الذي يرى أن الذكاء القادم سيضيف نحو 5%–10% إلى الناتج العالمي—أي ما بين 9 و18 تريليون دولار سنوياً—ما يجعل إنفاق تريليونات مبرراً “إذا عاد هذا الحجم من العائد” .

في الولايات المتحدة، تتنافس مبادرات ضخمة. SoftBank تقود مشروعا يُعرف باسم “Stargate” لاستثمار 500 مليار دولار تشترك فيه مع OpenAI وOracle لإنشاء مجموعة ضخمة من مراكز البيانات والذكاء الصناعي . وإضافة إلى ذلك، طرحت خطة ضخمة أخرى باسم "Project Crystal Land" لبناء مجمع صناعي واحد في أريزونا بتكلفة قد تصل إلى 1 تريليون دولار، تشمل مصانع روبوتية متكاملة، وحدات تصنيع أشباه موصلات، ومساكن للموظفين، برعاية تكتلات مع TSMC وسامسونج واشنطان .

التحليل المالي يظهر وزن هذه الرهانات: SoftBank تموّل غالبية هذه المشاريع عبر الديون (مثل قرض بقيمة 16 مليار دولار مخصص للمشاريع الذكية، والقروض المقترحة من 18 مليار دولار إضافية) . هيكلياً، تقترض من البنوك وتطلق مشاريع ضخمة يُتوقع أن تولّد ربحاً مستداماً قبل سنوات.

على الجانب الآخر من النافذة، الاتحاد الأوروبي أعلن عن “InvestAI”، صندوق بقيمة 200 مليار يورو، مخصّص لبناء “مصانع ذكاء اصطناعي” تضم آلاف وحدات GPU في مواقع متعددة، لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية وتأمين مستقبل رقمي متوازن . في آسيا، تبلورت جهود مثل Bharat GPT وBharatGen في الهند، تستهدف لغات محلية وتطبيقات صحية وزراعية، بدعم حكومي وأكاديمي مع توفير آلاف وحدات GPU .

في الصين، تركز الخطة الخمسية (2021–2025) على دمج الروبوتات والذكاء الاصطناعي في الصناعة والرعاية الصحية، وخصصت نحو 100 مليار دولار لهذا المجال، مثل الروبوتات التي تخدم في المستشفيات.

الإمارات والسعودية: ضخت مليارات في إنشاء مراكز بيانات بالشراكة مع Nvidia وأمازون، وطورت نموذج "فالكون" محليًا، مستفيدة من دعم دولي وقوة مشاركة البيانات .

الهند: أطلقت مبادرة بقيمة 1.25 مليار دولار لتعزيز الأبحاث والبنية التحتية، ومرتبت في أكبر أماكن الإنتاج البرمجي في العالم .

ماذا يختبئ خلف هذه الإستثمارات الضخمة؟ الأمر ليس مجرد سباق تسلح رقمي، بل رؤية اقتصادية: أتمتة الصناعة من خلال روبوتات ذكية تحلّ مكان النقص في اليد العاملة، وتشخيص طبي آني وموجه، ومواصلات ذاتية تحقق الأمان وتقضي على الاختناقات، وشبكات طاقة ذكية تقلل الفاقد وتعزز الاستدامة. وكبار الشركات مثل Nvidia وArm تقع في قلب هذا المشهد، حيث تصمم معالجات وكودات تؤثر على كل جانب من جوانب الذكاء الاصطناعي .

هذه الطفرات تواجه تحديات ضخمة: المخاطر الأخلاقية، الاستقلال الرقمي، فجوة وانتشار التكنولوجيا بين الدول الغنية والفقيرة، وتنظيم يحفظ الخصوصية ويمنع التحيّز. وأكثر من ذلك، تطوير AGI—ذكاء اصطناعي عام—يثير نقاشات اليوم حول مدى تجاوز الآلة للإنسان، وتعريف يختلف بين كونها مخصّصة فقط للمهام الاقتصادية أو أنها تقترب من الإدراك البشري الحقيقي .

في صفحات المستقبل، نرى تجمعات ضخمة من مرافق GPU والطاقة، يشبهها البعض بالمدن الصناعية، وصورة أخرى لاقتصاد عالمي جديد مدفوع بقوة البيانات والمعرفة. ولكن بين هذا وذاك، يقع القضاء على البطالة الناتجة عن الأتمتة، وتحويل العقول البشرية نحو مجالات أكثر إبداعاً وإنسانية.

إقتصادياً وصناعياً ومنذ أن دخل الذكاء الاصطناعي مشهد الاقتصاد العالمي، بدأت آلة التنمية تُعاد هندستها حول قاعدة جديدة: الذكاء. الشركات والدول باتت تراهن على هذه الموجة ليس فقط للتفوق التكنولوجي، بل لمواجهة تحديات النمو، الكفاءة، والاستدامة.

في المصانع، تحوّل المصطلح القديم "خط الإنتاج" إلى "مصنع ذكي"، حيث تقرأ الآلات بياناتها وتُصمّم الصيانة تلقائيًا عبر تحليل الأعطال المحتملة، مما يقلّص زمن التوقف بنسبة تصل إلى 70%، وتكاليف الإصلاح بحوالي 30% . وضمن هذا السياق، نتذكر أن قيمة وحي الذكاء في الصناعة يمكن أن تضيف 3.8 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2035 .

وفي سلاسل الإمداد، أصبحت الشحنات تتنقّل بذكاء واقتدار: طرق تحسّبها الذكاء لتقليل الازدحام والتأخير، مستشعرات تنذر باحتياج الصيانة، وخوارزميات تتنبّأ بالطلب بدقة عالية. قال مسؤول في “DP World” إن 98% من المدراء التنفيذيّين يعتبرون الذكاء عنصرًا جوهرياً في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد التقليدية .

أما في المالية، فأصبح الذكاء مستشاراً وشريكاً. أنظمة ذكية ترصد عمليات الاحتيال في أجزاء من الثانية، روبوتات التداول تدير الصفقات بدقّة، وأدوات مثل "Aladdin" من BlackRock تعالج بيانات ضخمة لاتخاذ قرارات استثمارية فورية . وضمن خمسة أعوام، قد تضيف هذه الأنظمة نحو 170 مليار دولار لأرباح البنوك .

وعلى مستوى الاقتصاد العالمي، تشير تحليلات "PwC" إلى أن الذكاء يمكن أن يُضخّم الناتج بمقدار يصل إلى 15 نقطة مئوية إضافية بحلول 2035، ما يعادل إضافة نقطة مئوية إلى النمو السنوي، وهو شيء لم تشهده البشرية منذ الثورة الصناعية . ومع تقديرات تشير إلى أن الذكاء سيضيف حوالى 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030، فإن حجم التغيير لا يقل عن ثورة حقيقية .

لكن لا يخلو الأمر من تحدّيات. ففي أروقة الصناعات المتقدمة، قوة الإنتاج ترتد على زيادة الطلب على الطاقة والمياه. في الولايات المتحدة وحدها، توجد آلاف مراكز البيانات التي قد تستهلك كهرباء أكثر من بعض الدول، وتضاعف تكاليف الصحة العامة السنويّة . ومع ذلك، صحيح أن الذكاء قد يساعد في كبح التضخم عبر رفع الإنتاجية—وفقاً لمحللين مثل HARVARD و Fed —إلا أنّ الطريق إلى اقتصاد مستقل من الناحية المناخية لا يزال طويلاً ويتطلّب بنية نظيفة متينة.

وعلى مستوى الوظائف، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ما يقارب 40% من الأعمال المعاصرة قد تتأثر—ميكانيكيًا أحيانًا وابتكاريًا أحيانًا أخرى. أما في الدول المتقدمة، فقد تصل النسبة إلى 60%، الأمر الذي يتطلّب تكثيف برامج التأهيل للمهن الجديدة مثل مهندسي الذكاء والمحصّنين الأخلاقيين للمعلومات .

تكامل الذكاء الصناعي مع الكهرباء النظيفة، والتعليم، والتنظيم المناسب يشكل سبيلاً لتوسيع مكاسبه. فقد خلصت دراسات إلى أنّ العالم يحتاج إلى تقليل كثافة الطاقة المستهلكة بنفس وتيرة ضاعف فيها موديلات الذكاء لتعادل صافي الانبعاثات .

الذكاء الاصطناعي يدفع عجلة الاقتصاد والصناعة نحو مستقبل أكثر إنتاجية، وإيرادات أكبر، وكفاءة غير مسبوقة. إنه نهضة صناعية جديدة، ولكنها مرهونة بقدرتنا على التوازن بين النمو والموارد، وبين التكنولوجيا والإنسان. الطريق المفتوح أمامنا، لكنه يتطلب حكمة تخطيطية واستثمارا اجتماعيا.

فيديو