جماعات إرهابية تخرجت من تحت عباءة التنظيم، الإخوان وتغذية التطرف.

تقارير - منذ 6 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص

تُعد جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، من أبرز التيارات التي وظّفت الدين الإسلامي في المجال السياسي، لكنها في الوقت ذاته ظلت تمثل بيئة خصبة لنشوء تيارات أشد تطرفاً، اتخذت العنف وسيلة لتغيير الواقع، أو لفرض مفاهيم أيديولوجية ضيقة على المجتمعات والدول. وعلى الرغم من تبني الجماعة خطاباً إصلاحياً في بعض مراحلها، إلا أن العديد من الشواهد تؤكد أن خطابها السياسي والاجتماعي ظل دائماً مشوباً بالنزعة التمكينية التي تضع الوصول إلى الحكم غاية تبرر كل الوسائل، بما فيها التحالف مع الجماعات المسلحة، أو تسويغ العنف تحت ذرائع الحاكمية أو الجهاد

من أبرز المؤشرات على هذه العلاقة، ما كشفته تقارير أمنية عن وجود صلات بين جماعة الإخوان وحركة طالبان، وهو ما تجلّى في دعم الجماعة للعناصر المتشددة، ومن ذلك الإفراج عن الملا صوفي محمد، الزعيم المتطرف المعروف، الذي سبق أن أعلن ولاءه لطالبان، وله جذور إخوانية أيدولوجياً وتنظيمياً. وقد مثّلت مواقفه، بما فيها دعوته لتطبيق الشريعة بطريقة قسرية وعنيفة، استمراراً لنمط مشترك بين جماعات الإسلام السياسي، التي تتبنى المظلومية والخطاب الثوري في تعاملها مع الدولة والمجتمع.

وتمتد العلاقة بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية إلى مستوى أكثر خطورة في حالة أيمن الظواهري، الذي بدأ حياته الفكرية ضمن تنظيم الإخوان، قبل أن يتجه إلى تنظيم الجهاد ثم يصبح زعيماً لتنظيم القاعدة الإرهابي. لقد مثّلت أفكار سيد قطب، أحد أبرز منظّري الإخوان، الجسر الذي عبر من خلاله الظواهري وآخرون نحو عقيدة التكفير واستخدام السلاح ضد "العدو القريب والبعيد"، وهو النهج الذي قاد إلى موجات من الإرهاب أضرت بالإسلام والمسلمين حول العالم.

ولا يتوقف الأمر عند القاعدة وطالبان، بل يشمل أيضاً جماعات متطرفة أخرى تبنت أو استلهمت الطرح الإخواني، مثل جماعة التوحيد الوطنية، التي نشأت في جنوب آسيا، وارتبطت تنظيمياً بهياكل الإخوان الدولية، وكان أميرها سلمان الندوي شخصية محورية في نقل الأفكار وتجنيد العناصر، بما في ذلك التنسيق مع جماعات مسلحة في الهند وباكستان. هذه العلاقة لا تعكس فقط الدعم العقائدي، بل تؤشر على وجود تشبيك تنظيمي عالمي يسعى لتوسيع النفوذ عبر فروع "شرعية" أو "دعوية" تخفي وراءها بنية صلبة من التطرّف والتحريض.

ومن الأمثلة المهمة التي لا يمكن إغفالها، الدور الذي لعبته الجماعة في دعم التمرّد المسلح في الشيشان، حيث أظهرت الوقائع دعمها للقيادي دوكو عمروف، الذي يُصنّف فكرياً ضمن التيار الإخواني، وكان على تواصل مباشر مع عناصر تنظيم الإخوان في آسيا الوسطى. هذا الدعم لم يكن مجرد تعاطف معنوي، بل رافقته تعبئة إعلامية ودعوية وتجنيدية، عبر منابر الإخوان المنتشرة في العالم الإسلامي، وخصوصاً في تركيا وقطر ومناطق الجاليات الإسلامية في الغرب.

ولا يمكن تجاهل أن البنية التنظيمية للإخوان، التي تعتمد الهرمية والولاء للمرشد العام، قد وفرت مظلة مرنة لاحتضان التيارات المتطرفة التي فشلت في بناء قواعد شعبية مستقلة، فتسللت إلى شبكات الجماعة، مستفيدة من الغطاء "الشرعي" والدعم المالي واللوجستي. هذا ما حدث في ليبيا، حيث انبثقت فصائل مسلحة متطرفة من عباءة الإخوان، ثم تحوّلت إلى جماعات تمارس العنف والتطرف تحت لافتات أخرى.

إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الجماعات المسلحة التي تُمارس العنف المباشر، بل في البيئة الفكرية التي تُنتج هذا العنف وتُبرّره، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان من خلال أدبياتها وشيوخها ومناهجها التي تُكرّس ثقافة الانقسام والطعن في المؤسسات الوطنية، وتحرض على إسقاط الأنظمة تحت ذريعة "تحكيم الشريعة" أو "العودة إلى الخلافة".

لقد أثبتت التجربة التاريخية أن كل تنظيم متطرف كبير مرّ إما من خلال الإخوان أو تلاقى معهم فكرياً في مرحلة ما. وهو ما دفع العديد من الدول، بما فيها السعودية ومصر والإمارات، وروسيا والأردن إلى تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي، نظراً لما تمثّله من تهديد للأمن القومي والاجتماعي والفكري. كما أشار تقرير لمركز السياسة الأمنية في واشنطن (CSP) إلى أن جماعة الإخوان هي "الحاضنة الكبرى للإرهاب الإسلامي العالمي"، لأنها تجمع بين التخفي السياسي والدعوي، وبين التعاون السري مع فصائل العنف.

إن مكافحة الإرهاب لا تكتمل ما لم يتم تجفيف منابعه الفكرية والتنظيمية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت لعقود تمارس التقية السياسية، وتُموّه خطابها بحسب البيئة، لكنها احتفظت في جوهرها برؤية لا تؤمن بالتنوع، ولا بالدولة الوطنية، بل تسعى لإقامة مشروع عالمي غير واقعي وخطير على استقرار الدول والمجتمعات.

فيديو