الإخوان والحوثيين، وتوظيف الدين، تأويلات إنتقائية ومكيفة تخدم أجندات الجماعتين

تقارير - منذ 4 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص

شهدت المنطقة في العقود الأخيرة تصاعداً خطيراً واضحاً في توظيف الدين كأداة للتمكين السياسي، حيث لم يُطرح الدين كمرجعية روحية وأخلاقية تربط الإنسان بربه وتسهم في ضبط المجتمع بالقيم، بل تحوّل إلى وسيلة لبناء مشروع شمولي يسعى إلى احتكار الدولة وإخضاع المجتمع وإستعباده. أبرز من مثّل هذا الاتجاه في السياق المحلي هما ميليشيات الحوثي من جهة، وتنظيم الإخوان المسلمين ممثلاً بحزب الإصلاح من جهة أخرى، وكلاهما قدّم تصوراً مشوهاً للدين، قائماً على إخضاع الإنسان وتوظيف النصوص المأولة من منظور ضيق ومنتقى لخدمة أهداف الجماعتين.

ميليشيات الحوثي، المنبثقة عن الفكر الزيدي الإمامي والمتأثرة بالإيديلوجية الدخيلة المستوردة، أعادت إنتاج المفهوم الطائفي للسلطة عبر تبني فكرة "الولاية"، لكنها في السياق المحلي تحوّلت من مرجعية فقهية إلى منظومة استعباد، لا تعتبر الحكم تكليفاً شرعياً ولا مسؤولية بل تفويضاً إلهياً مُقدّساً بشكل إحتكاري على غرار النهج الإيراني، فالمواطن في مناطق ميليشيات الحوثي ليس أمامه إلا أن يقرّ إجبارياً، وفقاً للعقيدة التي تفرضها الجماعة، بأنه أقل شأناً وحقوقاً من من يحكمه، وأن اعتراضه على هذا الامتياز المزعوم يعد نفاقاً ومؤشراً على بغضه لما تسميه الجماعة بـ"أعلام الهدى"، وهو ما يعني ضمنياً أن مصيره الهلاك في الآخرة والعار في الدنيا. هذه الفكرة لا تضع أسساً لدولة أو نظام، بل تُكرّس عبودية فكرية وأخلاقية قائمة على التمييز والاصطفاء السلالي.

من الناحية العملية، سعت الميليشيات الحوثية إلى فرض نموذجها بالقوة، من خلال عسكرة العقيدة، والدورات الطائفية الإلزامية، والسيطرة على المساجد والمناهج، وتحويل التعليم إلى أداة لبث الولاء والتهييج ضد ما تسميهم أعداء ولاية علي وذريته،. وتُظهر تقارير كيف تم فرض دورات ثقافية طائفية في المدارس والإدارات والمؤسسات العامة، تُستخدم لإعادة صياغة وعي الأفراد وفق رؤية الجماعة، وجعل الولاء السياسي امتداداً للانتماء الطائفي المفروض.

أما تنظيم الإخوان المسلمين، وإن كان يتبنى خطاباً أكثر نُعومة وتلوناً، فقد سار على نهج مواز في اختطاف الدين لأهداف التمكين في نسق يشبه ولاية الفقيه. فحزب الإصلاح، الذراع السياسي لتنظيم الإخوان، لم يقدم مشروعاً مدنياً وطنياً بقدر ما كرّس شبكة تنظيمية دينية داخل أجهزة الدولة، هدفها التغلغل والسيطرة لا خدمة المواطنين. وقد اتبع الحزب منهجاً يعتمد على ربط الخلاف السياسي بالمقدّس، حيث يُتهم خصومه بالعداء للإسلام، ويُقدّم الطرح الإخواني باعتباره الممثل الأوحد للشرعية الدينية. هذا الخلط بين السياسي والمقدس خلق بيئة استقطاب شديدة التوتر، جعلت من معارضة الإخوان بمثابة خروج عن الدين.

الخطورة في المشروعين الحوثي والإخواني لا تكمن فقط في استخدام الدين كغطاء سياسي، بل في تحويله إلى أداة للإقصاء والعنف والتطرف والاستبداد، تُبرر بها الفتاوى القتل والتكفير، وتُستخدم في تصنيف الأفراد وفق مدى ولائهم للجماعة، لا وفق القانون أو المواطنة. وقد وثّقت هذا الاستخدام للدين في التحشيد الإعلامي، وتحويل المنابر الدينية إلى أدوات تعبئة سياسية وعسكرية، كما يحدث في خطب الجمعة والحشود الإلزامية التي تمتلئ بالتحريض والطعن في الآخرين، سواء كانوا سياسيين، شعوباً، دولاً، أو حتى من تيارات دينية أخرى.

وقد أثبت الواقع أن هذا النمط من التديّن السياسي أدّى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتفكك المجتمع، حيث تم استبدال مفاهيم الحوكمة والمواطنة والعدالة الاجتماعية بمنظومات عقائدية طائفية وتنظيمية متلبسه تفرض الولاء للجماعة كشرط للقبول. فالحوثيون فرضوا نموذجاً استبدادياً يقوم على تأليه زعيمهم وشرعنة الاستبداد باسم "المسيرة القرآنية"، في حين ركّز الإخوان على بناء التمكين التنظيمي داخل الدولة، لا على بناء دولة مؤسسات تحت شعار النخبة المصطفاه والمجتمع الجاهلي. وفي كلتا الحالتين، تم اختزال الدين في الجماعة، وتحويله إلى معيار طاعة وإدانة، لا إلى قيمة تنويرية أخلاقية، وهذا يتضمن إستخدام أساليب الترهيب، والتقيه، والإختراق الخفي.

هذه المعادلة تُمثّل تهديداً مزدوجاً: فهي لا تدمّر فقط الدولة الحديثة، بل تُقوّض الدين ذاته، وتفقده موقعه كقوة ناعمة وقيمه عليا توجّه المجتمع نحو الخير، وتحوله إلى أداة تسلّط وقهر. مواجهة هذا التوظيف الخطير للدين لا تكون بمناهضته كقيمة، بل بفضح الممارسات التي تبتذله، وبناء مشروع وطني مدني مستقر يعيد التوازن بين القيم الدينية والدستورية، ويفصل بين السلطات بشكل يكفل العدل والمواطنة المتساوية دون إضرار، ودون خلط خطير بين زعومات الإصطفاء أو الحق الإلهي والسلطة الزمنية.

إن ما تحتاجه المجتمعات ليس حرباً ضد الدين، بل دفاعاً عنه من أن يُختطف، ومن أن يُستخدم كحصان طروادة للتمكين الحزبي والطائفي، سواء من قبل ميليشيات تُقدّس السلالة، أو تنظيمات تروّج للتنظيم على أنه تجسيد للإسلام من منظور إخواني بحت.

فيديو