الثلاثون من نوفمبر.. حين صاغت الدماء ميلاد وطن

تقارير - منذ 5 ساعات

عين الجنوب || خاص:
تأتي الذكرى الثامنة والخمسون ليوم الثلاثين من نوفمبر المجيد، وهي ليست مجرد تاريخ يُضاف إلى سجل الأيام، بل هي محطة خالدة في وجدان الأمة، تُحيي فينا روح الكفاح والتضحية التي أثمرت جلاء آخر جندي أجنبي عن تراب الوطن. إنه اليوم الذي توّجت فيه إرادة شعب، أصرّ على استعادة كرامته وسيادته، ليُعلن للعالم أجمع أن الجنوب قد استرد قراره وأشرقت شمس جمهوريته الخالدة، وهو تاريخ يظل محفوراً بمداد الفخر في صفحات المجد الوطني.
لم تكن لحظة الاستقلال هبة سهلة أو منحة ميسورة، بل كانت ثمرة نضال مرير امتد لعقود، اشتعلت نيرانه الأولى مع المقاومة الوطنية التي رفضت الخضوع للاحتلال البريطاني، وتصاعدت وتيرته في ثورة الرابع عشر من أكتوبر الظافرة عام 1963، حيث امتزجت دماء الشهداء بعرق المناضلين في الجبال والوديان والمدن. لقد كان هذا الطريق مفروشًا بالأشواك، وبالتضحيات الجسيمة، وبإيمان مطلق بأن الحرية لا تُشترى بالمال، بل تُنتزع بالدم والإصرار. إن كل حجر في عدن وكل رملة في حضرموت وكل قلعة في الشمال اوالغرب او الشرق في الجنوب تشهد على الصبر الأسطوري الذي تحلى به الأبطال في مواجهة آلة القوة الغاشمة، ليثبتوا أن قوة الحق أعظم من حق القوة.
وفي صباح الثلاثين من نوفمبر عام 1967، انجلت غيوم السيطرة، ورفع العلم الوطني شامخًا فوق أرض الجنوب، معلنًا اكتمال السيادة الوطنية وميلاد دولة جديدة. كانت تلك اللحظة تتويجًا لجهد شعبي عظيم، رسالة واضحة بأن الاستعمار إلى زوال، وأن الشعوب التي تختار مصيرها لا يمكن قهرها. لقد شهد العالم بأسره كيف أن شعبًا أعزل تمكن بإيمانه ووحدته من طي صفحة مظلمة، ليخط بأنامله أولى سطور مستقبله المستقل. هذا اليوم لم يكن فقط خروجًا لقوة أجنبية، بل كان دخولاً لمرحلة البناء والعمل الوطني، مرحلة استعادة الهوية واستنهاض المقدرات، حيث تحولت فوهة البندقية إلى معول بناء، والدم المسفوك إلى وقود لوحدة الهدف والمصير.
إن الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لا يجب أن يكون مجرد استعراض للماضي، بل هو تجديد للعهد والمسؤولية تجاه الحاضر والمستقبل. فالثلاثون من نوفمبر هي بوصلة تذكرنا دائمًا بالهدف الأسمى الذي سُفكت من أجله الدماء: بناء وطن موحد، مزدهر، ومستقر. إن تضحيات الأمس تدعونا اليوم إلى مضاعفة الجهود للحفاظ على مكتسبات الثورة وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات الجديدة، وتأكيد أن الوحدة الوطنية هي صمام الأمان الذي يحمي إرث الأجداد ويصون مستقبل الأحفاد. إن إرث التحرير يتطلب منا أن نكون على قدر المسؤولية، وأن نعمل جميعًا يداً بيد لرفعة هذا الوطن، مستلهمين من روح نوفمبر العظيمة القدرة على تجاوز الصعاب وتحويل المحن إلى فرص.
سيبقى الثلاثون من نوفمبر رمزًا للأمل، وشهادة حية على عظمة شعب رفض الذل وأبى الضيم، سيبقى منارة تضيء دروب الأجيال القادمة، وتؤكد أن المجد الحقيقي يكمن في الدفاع عن الأرض والكرامة. فكل عام وهذا الوطن يحمل راية العزة والحرية التي غُرست بدم الأحرار في ذلك اليوم المجيد، وتبقى ذكراه مصدر فخر وإلهام لا ينضب.

فيديو