تحليل:ما وراء تهديدات الحوثي على بوابة الجنوب الشرقية؟

دراسات وتحليلات - منذ 7 شهر

حضرموت ليست مجرد محافظة يمنية غنية بالموارد الطبيعية، بل هي أيضاً منطقة استراتيجية تتحكم بمساحات واسعة من الأراضي الشرقية لليمن وتتمتع بواجهة بحرية على بحر العرب. هذه الأهمية الجغرافية والاقتصادية تجعلها هدفاً مغرياً لقوى متعددة في اليمن، بما في ذلك ميليشيات الحوثي. مع تصاعد التهديدات الحوثية التي أصبحت أكثر جدية مع اقتراب سقوط مأرب المحتمل، تصبح حضرموت في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، مما يستدعي ضرورة وجود قوة عسكرية وسياسية قادرة على الدفاع عنها.

في هذا السياق، يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي وتواجده المحدود متمثل بقوات (النخبة الحضرمية)، حائط الصد الأول ضد هذه التهديدات. هذه القوات لا تمثل فقط حماية حضرموت بل هي امتداد للقوات المسلحة الجنوبية، ولكن تأثيرها قد يكون محدوداً

التهديد الحوثي لحضرموت: قراءة في الأبعاد العسكرية والاستراتيجية:

استراتيجية الحوثيين بعد مأرب:

مأرب، التي تعد آخر معقل للحكومة الشرعية في شمال اليمن، تتعرض لهجوم حوثي مستمر منذ عام 2020. الحوثيون يشنون هجمات متعددة على المدينة التي تعتبر مركزاً استراتيجياً نظراً لاحتوائها على موارد النفط والغاز بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الذي يربط بين الشمال والجنوب. وقد شهدت الأشهر الأخيرة تقدم حوثي ملموس على عدة جبهات في مأرب، وهو ما يجعل سقوط المدينة سيناريو وارداً.

وقائع:

في أوائل 2021، قامت ميليشيات الحوثي بشن هجمات مكثفة على مواقع الجيش الوطني في مأرب، مستخدمة تكتيكات القصف بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى الحصار العسكري. إذا سقطت مأرب، سيتحرر الحوثيون من الضغط على هذه الجبهة وسيتوجهون مباشرة نحو شبوة وحضرموت.

الأطماع الاقتصادية والعسكرية في حضرموت:

الحوثيون يدركون أن حضرموت تحتوي على ثروات كبيرة من النفط والغاز، وهي موارد يمكن أن تمثل مصدراً مالياً ضخماً لتمويل عملياتهم العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، تقع حضرموت على الحدود مع السعودية، مما يعني أن الحوثيين يمكنهم من خلالها تهديد المملكة بشكل مباشر عبر الحدود البرية.

في يوليو 2022، أطلقت جماعة الحوثي تهديدات صريحة بالسيطرة على المناطق الغنية بالنفط في اليمن، بما في ذلك حضرموت. وحذر الخبراء العسكريون في ذلك الوقت من أن السيطرة على حضرموت قد تمنح الحوثيين موارد مالية وعسكرية تمكنهم من شن هجمات أكبر على باقي المحافظات الجنوبية والسعودية.

أهمية تعزيز المجلس الانتقالي الجنوبي تواجده في حضرموت، بالتنسيق مع شركاؤه في الاقليم

دور قوات النخبة الحضرمية في استقرار حضرموت: 
تم تشكيل قوات النخبة الحضرمية في عام 2016 بدعم من التحالف العربي، وخصوصاً الإمارات العربية المتحدة، كجزء من الجهود لتأمين حضرموت من التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة. هذه القوات لا تمثل فقط الحماية العسكرية، بل هي جزء من المنظومة الأمنية التي تضمن استقرار محافظات الجنوب من الجهه الشمالية الشرقية وتمنع أي اختراقات أمنية.

في عام 2018، نجحت قوات النخبة الحضرمية في تحرير مناطق واسعة من وادي حضرموت التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة المشتبه بحصوله على دعم من حزب الإصلاح اليمني. ولكن هذه العمليات الاستباقية عززت الثقة بقدرة النخبة الحضرمية على مواجهة التحديات الأمنية في المحافظة.

التنسيق بين قوات النخبة الحضرمية والمجلس الانتقالي الجنوبي: 

قوات النخبة الحضرمية لا تعمل بمعزل عن المجلس الانتقالي الجنوبي، بل تعد جزءاً من منظومة الدفاع الجنوبي التي تشمل قوات الحزام الأمني وقوات الأمن الخاصة في المحافظات الجنوبية. المجلس الانتقالي يضمن لهذه القوات الدعم العسكري واللوجستي الذي تحتاجه للحفاظ على استقرار حضرموت وحمايتها من أي هجوم حوثي محتمل.

في عام 2021، قام المجلس الانتقالي الجنوبي بتعزيز قوات النخبة الحضرمية بإمدادات عسكرية ومعدات حديثة بالتنسيق مع التحالف العربي، ما أدى إلى تعزيز القدرات الدفاعية في حضرموت.

سقوط مأرب: سيناريو واقعي ومحتمل:

سقوط مأرب سيكون بمثابة كارثة على جميع الأصعدة، حيث سيفتح الباب أمام الحوثيين للتقدم نحو المحافظات الجنوبية الشرقية، بما في ذلك شبوة وحضرموت. الحوثيون سيستغلون سقوط مأرب لإعادة توزيع قواتهم والهجوم على المواقع النفطية والاستراتيجية في حضرموت.

في فبراير 2021، بدأت ميليشيات الحوثي بتكثيف هجماتها على مواقع الجيش الوطني في مأرب، ما أدى إلى تقدم ميداني في بعض الجبهات. إذا استمرت هذه الهجمات بنفس الوتيرة، فإن سقوط مأرب قد يكون مسألة وقت فقط. ونتيجة لذلك، سيتعين على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وشركاؤه في التحالف العربي الاستعداد لسيناريو تقدم الحوثيين نحو حضرموت.

التداعيات العسكرية والسياسية لسقوط مأرب على حضرموت:

إذا سقطت مأرب، فإن الحوثيين سيحققون انتصاراً استراتيجياً، وسيطروا على أحد أهم مراكز النفط والغاز في الجنوب. هذا سيمنحهم موارد إضافية تمكنهم من تمويل حملاتهم العسكرية نحو الجنوب الشرقي. في هذه الحالة، سيكون لزاماً على المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته تعزيز دفاعاتهم في حضرموت لمنع أي تقدم حوثي نحو هذه المحافظة الحيوية.

في حال سقوط مأرب، سيكون السيناريو المرجح هو انسحاب القوات الحكومية اليمنية نحو المناطق الجنوبية والشرقية، علاوة على احتمالية عودة نشاط التنظيمات الإرهابية المتخادمة مع جماعة الحوثي مما سيضع حضرموت في مرمى الحوثيين. المجلس الانتقالي الجنوبي سيكون مطالباً بنقل قوات إضافية إلى حضرموت لتعزيز الدفاعات، بما في ذلك القوات الجنوبية الموجودة في شبوة وأبين، وحتى عدن.

دور المجلس في دعم حضرموت:
المجلس الانتقالي الجنوبي يمكنه توفير مزيد من الدعم لقوات النخبة الحضرمية من خلال تزويدها بالمعدات العسكرية الحديثة والتدريبات المتقدمة التي تمكنها من مواجهة أي تهديدات حوثية بالتعاون مع الأشقاء في التحالف العربي، علاوة على أمكانية رفد حضرموت بالمقاتلين الذين كانت لهم تجربة مباشرة للتصدي لغزو الحوثيين مع شريكهم المؤتمر في 2015. هذا الدعم يمكن أن يتوسع ليشمل تعزيز القدرات الجوية واللوجستية التي ستكون ضرورية في حالة تعرض حضرموت لهجوم حوثي.

أحداث:
في عام 2022، قام المجلس الانتقالي بتقديم طائرات بدون طيار لقوات النخبة الحضرمية لتأمين المناطق الوعرة في حضرموت، ما ساهم في تعزيز القدرات الاستطلاعية لهذه القوات.

التنسيق مع التحالف العربي والمجتمع الدولي:

المجلس الانتقالي الجنوبي يمتلك قنوات اتصال مع التحالف العربي والمجتمع الدولي، ويمكنه استغلال هذه العلاقات للحصول على دعم إضافي لحضرموت، سواء في شكل مساعدات عسكرية أو اقتصادية، او حشد للقوات المجلس يمكنه أيضاً الضغط سياسياً على المجتمع الدولي لفرض عقوبات إضافية على الحوثيين في حال تصعيدهم نحو حضرموت، بصفته الكيان السياسي والعسكري الوحيد والمعتبر للتصدي لتصعيد الحوثيين والشريك الرئيسي للتحالف بعد سيناريو سقوط مأرب اليمنية.

في سبتمبر 2021، قام المجلس الانتقالي بتنسيق اجتماع بين قادة قوات النخبة الحضرمية ومسؤولين من التحالف العربي لتبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الحوثيين نحو حضرموت.

الاستعدادات الدفاعية في حال سقوط مأرب:
إذا سقطت مأرب، سيكون المجلس الانتقالي الجنوبي بحاجة إلى تحريك قوات إضافية من شبوة وأبين، وقد يحتاج الى تعزيزات أكثر لدعم الجبهة في حضرموت. هذه الخطوة ستكون ضرورية لضمان عدم اختراق الحوثيين للمحافظة والسيطرة على مواردها النفطية.

في مارس 2022، قام المجلس الانتقالي بنقل وحدات من القوات الجنوبية من شبوة إلى حضرموت بعد ورود معلومات عن نية الحوثيين شن هجوم على المحافظة.

حضرموت تواجه تهديداً حقيقياً من ميليشيات الحوثي، التي تسعى للسيطرة على هذه المحافظة الغنية بالموارد الطبيعية. المجلس الانتقالي الجنوبي يمثل القوة الوحيدة القادرة على حماية حضرموت، والخيار الرئيسي للشركاء الاقليمين من خلال تعزيز التنسيق مع التحالف العربي والمجتمع الدولي. سقوط مأرب سيزيد من حدة التهديدات على حضرموت، مما يستدعي استعدادات عسكرية وسياسية جادة من قبل المجلس الانتقالي والتحالف العربي لضمان استقرار المحافظة ومنع الحوثيين من تحقيق أي تقدم محتمل فيها.

فيديو