تحليلل.. الوحدة اليمنية دروس من التجارب العالمية وانعكاساتها على المنطقة

دراسات وتحليلات - منذ 1 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص

لربما كانت الوحدة السياسية حلماً سعت إليه العديد من الدول، لكنه لم يكن دائماً الحل الأمثل لاستقرار الشعوب وازدهارها. فمنذ انهيار جدار برلين عام 1989، أعادت ألمانيا توحيد شطريها دون إراقة دماء، بجانب أن المانيا كانت دولة وتاريخ واحد من قبل، بينما في أماكن أخرى، تحولت محاولات الوحدة القسرية إلى صراعات دامية، كما حدث في اليمن خلال حرب 1994. هذه المقارنة تطرح تساؤلات جوهرية: هل الوحدة القسرية تحقق الاستقرار؟ أم أن الاستقلال هو الخيار الأكثر حكمة لمنع المزيد من سفك الدماء؟

التجربة الألمانية: وحدة دون عنف
في عام 1945، قُسمت ألمانيا نتيجة الحرب العالمية الثانية بين القوى المنتصرة، فانفصلت ألمانيا الشرقية عن الغربية بسبب الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي. لكن مع نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، توحدت البلاد عام 1990 دون أن تراق نقطة دم واحدة. كانت الوحدة الألمانية مدروسة، قائمة على التوافق والاعتراف بالاختلافات الاقتصادية والسياسية، ما سمح باندماج سلس تحت مظلة القانون والدستور. في المقابل، نجد أن محاولات الوحدة القسرية في مناطق أخرى لم تكن بهذه السلاسة، بل أدت إلى صراعات دموية، ومن بينها تجربة الوحدة اليمنية التي أفضت إلى حروب مستمرة منذ إعلانها عام 1990، مروراً بحرب 1994، وصولاً إلى النزاعات المستمرة حتى اليوم.

أيضاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واجهت تشيكوسلوفاكيا تحديات سياسية تتعلق بعلاقتها بين مكوناتها القومية المختلفة. حاولت الدولة الحفاظ على وحدتها من خلال منح سلوفاكيا استقلالية موسعة داخل الدولة الاتحادية، لكن الطرفين لم يتمكنا من التوصل إلى صيغة توافقية. بدلاً من اللجوء إلى العنف، قررت القيادة السياسية في البلدين إجراء استفتاء وتوصلت إلى قرار الاستقلال الطوعي في عام 1993. أصبح البلدان مستقلين، لكنهما حافظا على علاقات اقتصادية وسياسية جيدة، دون أن يُسفك دم واحد في عملية الانفصال.

اليمن و وهم الوحدة وثمن الدماء
بخلاف ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا، لم تكن الوحدة اليمنية وليدة توافق حقيقي، بل جاءت نتيجة ظروف سياسية واقتصادية مؤقتة بين نظامين مختلفين في صنعاء وعدن، دون مراعاة الفوارق العميقة بين الشمال والجنوب تاريخياً وثقافياً. ففي عام 1994، وبعد أربع سنوات فقط من إعلان الوحدة، اندلعت الحرب بين الدولتين عندما حاول الجنوبيون إعادة النظر في الاتفاق الوحدوي بسبب السياسات الإقصائية التي فرضها نظام صنعاء. أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 10,000 شخص، وانتهت بسيطرة الشمال على الجنوب بالقوة العسكرية، مما جعل الوحدة أمراً واقعاً بقبضة السلاح، وليس برغبة الشعبين.

تكررت النزاعات بعدها، إذ لم تحقق الوحدة الاستقرار المنشود، بل تحولت إلى سبب رئيسي للصراعات. وبعد اندلاع الحرب في 2015، ثبت الجنوبيين على أرضهم وأصبح الجنوب قوة عسكرية وسياسية مستقلة فعلياً، رغم استمرار الجدل السياسي المدفوع والغير مبرر حول وحدة اليمن.

بناءاً على تجارب العالم، المنطق تضل حجته ثابته، الوحدة ليست غاية بحد ذاتها؛ إن لم تكن الوحدة قائمة على توافق حقيقي بين الشعوب، فإنها ستصبح مصدراً دائماً للصراعات، وهذا هو الواقع الحالي في المنطقة. وإذا كان الاستقلال قد نجح في دول عدة، فلماذا لا يتم تطبيقه لحل الأزمة اليمنية؟ فـ درء الحروب أولى من فرض الوحدة بالقوة: شعب الجنوب دفع ثمناً باهظاً من الدماء والدمار بسببها، استمرار هذا النهج لن يؤدي إلا إلى مزيد من الحروب وعدم الإستقرار. فتاريخ المنطقة لم يعرف {يمناً واحد} طوال العصور، بل كان يتألف من ممالك وسلطنات مستقلة. فرض كيان موحد دون مراعاة تاريخ المنطقة السياسي والإجتماعي والثقافي يؤدي إلى الفشل. لذا بدلاً من التمسك بشعارات الوحدة التي أثبتت فشلها عملياً، والواقع الحالي خير دليل، يجب إعادة التفكير في صيغة أكثر واقعية لمستقبل المنطقة، سواء عبر إجراء إستفتاء أو حتى دعم مطلب الجنوبيين في إستعادة دولتهم بشكل مباشر، كما حدث في أماكن أخرى من العالم. الأهم من كل ذلك هو تجنب مزيد من الحروب، وإيجاد حلول أكثر فاعلية تجنب المنطقة المزيد من المآسي. ولابد من الدول الفاعلة والجهات المحلية أن تفكر خارج الصندوق، والخروج من دائرة الشعارات التي كلفت المنطقة شمالاً وجنوباً أرواحاً ودماراً حتى هذه اللحظة.

فيديو