يوم إعلان عدن التاريخي ارادة شعبية موحدة واصطفاف جنوبي تاريخي

السياسة - منذ 5 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص

في الرابع من مايو، نستحضر مساراً من الكفاح تحول إلى واقع سياسي متماسك. هذا اليوم بات يوم وطني حي في ضمير كل جنوبي، إذ يمثل لحظة انتقال من النضال الطويل، السلمي والمسلح، إلى مسار سياسي قائم على التفويض الشعبي وبناء المؤسسات.

لقد شكل ذلك اليوم محطة، حيث خرجت الإرادة الشعبية الجنوبية إلى العلن، وفوضت الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي بتأسيس كيان سياسي موحد، كان وجوده الميداني في أعقاب الحرب محوري في فرض معادلة جديدة على الأرض. الاعلان، كان تتويجاً لمسيرة مقاومة، قادت إلى شرعنة واقع الجنوب سياسياً وعسكرياً من خلال اتفاق الرياض، الذي اعترف بسلاح المقاومة الجنوبي ومشروعه السياسي، كحالة واقعية لا يمكن تجاهلها.

منذ ذلك الإعلان، أخذ الجنوب مكانه تدريجياً في المشهد الإقليمي والدولي، وبدأت القوى الفاعلة تنفتح على قضيته وقياداته، معترفة بحقيقة أن هناك قضية جنوبية قائمة، وأن تطلعات الجنوبيين تستند إلى إرث من التضحيات، وتتمتع بتمثيل سياسي واضح. وقد ترجم ذلك التقدم بالوصول إلى شراكة في إدارة الشرعية الدولية والإقليمية عبر عملية نقل السلطة، التي أعطت الجنوب موقعاً رسمياً ضمن أطر القرار.

ورغم التعقيدات التي اعترضت مسار الحضور الجنوبي، بما في ذلك محاولات الإقصاء والهجمات الإرهابية والاعتداءات الحوثية المليشاوية الأخيرة على يافع، تمكن المجلس الانتقالي من تجاوز هذه المنعطفات بحنكة سياسية وثبات عسكري. اليوم، بات الجنوب يمتلك بنية أمنية متماسكة، وتجربة فريدة مقارنة بدول ومجتمعات خرجت من حروب شاملة أو انهيارات متتابعة. وفي ظل هذا السياق، أصبحت قوات الجنوب تحمي مئات الكيلوهات من خطوط التماس العسكري، وهو إنجاز لم يكن ممكناً لولا الثقة المتبادلة بين الشعب وقيادته.

الأهم من كل ما سبق، أن المجتمع الدولي وشركاء الإقليم لم يعودوا ينظرون إلى الجنوب من زاوية ضيقة أو كعامل ثانوي في المعادلة. بل باتوا، وهم يبحثون عن حلول متعددة للمشهد، يضعون الواقع السياسي والعسكري للجنوب في صلب معادلاتهم، مدركين أن أي تسوية لا تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع، ستبقى ناقصة وغير قابلة للحياة. ويأتي افتتاح البعثة الجنوبية في واشنطن تتويجاً لهذا الحضور، وإعلاناً رسمياً بأن الجنوب بات حاضراً بصوته، وخطابه، ورسالته، في قلب دوائر القرار العالمي.

لكن رغم هذا التقدم، فإن التحديات لم تختفي، وعلى رأسها التحدي الاقتصادي، الذي يُعد أحد أعقد الملفات وأكثرها ضغطاً على القيادة السياسية وعلى المواطنين على حد سواء. هذا الملف، برغم وضوح أسبابه، لا يزال يمثل اختباراً حقيقياً للمجلس الانتقالي، الذي يتعامل معه كأولوية يجب تجاوزها لا كحالة دائمة. ويوماً ما، سيضاف هذا التحدي إلى قائمة الإنجازات التي تحققت، لأن إرادة البناء لا تقل عن إرادة التحرر، ولأن الجنوب لا يمكنه أن يستكمل مشروعه الوطني دون تنمية مستدامة وشبكة خدمات تلبي تطلعات الناس.

في هذا السياق، تبرز حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها، وهي أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات اليوم يمثل حجر الزاوية في مواجهة التهديدات الأمنية، ليس فقط عن الجنوب، بل عن مجمل الإطار الشرعي في اليمن، وذلك بدعم ومساندة من التحالف العربي بقيادة الأشقاء في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهذا الدور لا يُترجم عسكرياً فقط، بل أيضاً سياسياً، من خلال التزام واضح ومسؤول أمام الشركاء في القضايا الاستراتيجية للمنطقة.

وعليه، فإن كل خطوة تُتخذ اليوم، رغم صعوبة الظروف، تُحسب بدقة، وتُبنى على أساس حماية المكتسبات، وصون العلاقات الاستراتيجية، والاقتراب الحثيث من الهدف الوطني الكبير، المتمثل في استعادة دولة الجنوب وبناء مؤسساتها على أسس حديثة، عادلة، ومستقرة.

هذا هو قدر شعب الجنوب، وقدره أن يمضي نحو بناء مستقبله، مدفوعاً بعقيدة لا تلين، وإيمان لا يتزعزع، بأن التضحيات العظيمة لا تُبذل عبثاً، وأن كل ما تحقق حتى اليوم ليس إلا بداية الطريق.

فيديو