التنظيم الخفي: الإخوان كأداة خراب فكري ومادي

دراسات وتحليلات - منذ 12 ساعة

عين الجنوب | تقرير - خاص


اجتماع اللجنة الأمنية للبحث في التهديد الذي تشكله أخطر الشبكات الإرهابية في محافظة تعز اليمنية، التي كشفت ارتباطات مباشرة بقيادات استخباراتية وعسكرية مع ميليشيات الحوثيين، تتضح فيه ملامح المشروع العابر للحدود الذي تتشارك فيه قوى الارهاب، على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في تقويض الدولة الوطنية، واستغلال الدين والإعلام وشبكات التهريب كأداة للتمكين السياسي، وبناء سلطة تنظيمية ترفض مفاهيم الامن الاستقرار وإرادة الشعوب.

ما يجرى في تعز هو امتداد لما يمكن تسميته بـ"التحالف المظلم" بين أفرع متطرفة تحمل واجهات متعددة، تجتمع على مبدأ هدم الدول وإعادة تركيبها وفق سردية تبريرية ذات مرجعية دينية، تدمج الشعارات الأخلاقية بالخطط الأمنية والعسكرية والإعلامية، لتصبح مع الوقت قوة تخترق مؤسسات الدولة، وتُخضعها، أو تسعى لاقتطاع جزء من أراضيها لإقامة كيان "بديل" يعكس تصورات الجماعة عن "الخلافة" و"الطهر الديني" و"المجتمع النقي" على الطريقة الإخوانية.

في تفاصيل ما كشفته اللجنة الأمنية العليا، تظهر شخصية أمجد خالد كواحد من قادة هذا المشروع الخفي، يرتبط بقيادات بارزة في حزب الإصلاح اليمني المتواطىء مع ميليشيا الحوثي، وتورط بشكل مباشر في اغتيالات وتفجيرات وأعمال إرهابية تستهدف محافظات الجنوب. وهذا حلقة ضمن منظومة أوسع، تنسجها أجهزة استخباراتية وتنظيمات تتبادل الدعم والخبرة والتخطيط.

هذه الشبكة امتلكت معامل متكاملة لتصنيع المتفجرات، ومعلومات أمنية بالغة الدقة، ومواد توثيق مرئية تشير إلى منهجية القتل والتصفية. كان الهدف ليس فقط الاغتيال، بل إغراق الجنوب وسائر المناطق المقاومة للمشروع الحوثي-الإخواني في الفوضى، ضمن مسار إقليمي توسعي تدعمه طهران، ويستثمر فيه التنظيم الدولي للإخوان.

في السياق نفسه، حكم القضاء الإماراتي بإدانة مجموعة من المتهمين في ما يعرف بقضية "تنظيم العدالة والكرامة"، بتهمة دعم وتمويل جماعات إرهابية، وتحديداً تنظيم "دعوة الإصلاح الإرهابي"، وهو الواجهة المحلية للإخوان في الإمارات. هذه الأحكام جاءت بعد سنوات من التحريات والتتبع التي أكدت أن الجماعة لا تزال تستغل شبكاتها القديمة، وتمارس التخفي، وتوظف الأموال والتقنيات الحديثة لبث أفكارها وتجنيد أتباعها.

الإخوان، الذين استغلوا الفضاء الإلكتروني منذ التسعينيات، أنشأوا شبكة إعلامية متكاملة، توسعت من المطبوعات إلى المواقع الإلكترونية، ثم منصات التواصل الاجتماعي، لتتحول لاحقاً إلى آلة ضخ دعاية وتحريض وتشويه. لم تكن هذه الشبكات محايدة أو دعوية، بل كانت أدوات تعبئة وتجنيد، مستندة إلى سرديات مظلومية وأفكار طوباوية عن "النهضة الإسلامية"، لكنها عملياً تكرس مفاهيم الولاء والطاعة والانغلاق، وتُستعمل ضد الخصوم السياسيين وحتى ضد الشعوب ذاتها إن رفضت الانصياع.

في مصر، حيث كان صعود الجماعة إلى الحكم سنة 2012 لحظة اختبار حقيقية، أثبتت التجربة فشل الإعلام الإخواني في كسب الثقة الشعبية. برغم امتلاكه منصات ومنابر، لم يكن قادراً على تقديم خطاب عقلاني أو برامج إصلاحية واقعية. كان إعلاماً أيديولوجياً يكرر الشعارات: "الإسلام هو الحل"، و"أستاذية العالم"، دون ربطها بخطط اقتصادية أو رؤى مجتمعية حقيقية. لم يكن إعلاماً لتنوير الشعب، بل لتأطيره داخل قوالب طاعة ووولاء، وتصوير قادة الجماعة كخلفاء أو أنبياء عصريين.

في الوقت نفسه، اعتمدت الجماعة على ترسيخ الانقسام النفسي مع المجتمع. "العزلة الشعورية"، وهي من أبرز أفكار سيد قطب، كانت بمثابة الأرضية الفكرية لعزل الأتباع عن محيطهم. يُطلب منهم ألا يختلطوا بالناس، لأنهم ببساطة "أطهر منهم روحاً"، ولا يتعاملوا مع المجتمع باعتباره شريكاً، بل كياناً جاهلياً كافراً يجب تغييره أو هجره أو اقتطاعه لإقامة نموذج بديل. لم تكن هذه مجرد تنظيرات، بل تحولت إلى أدوات تبريرية للعزلة، والانقضاض على الدولة متى ما سنحت الفرصة، وهي وسيلة للحفاظ على أيديولوجية التنظيم المتطرفة.

فكرة "إدارة التوحش"، المستمدة من أدبيات تنظيم القاعدة، تُظهر مدى تشابه العقل التنظيمي لدى الجماعات المتطرفة. هذا المفهوم يعني خلق الفوضى كأداة تكتيكية، تمهيداً لملء الفراغ بسلطة الجماعة، كما يفعل الحوثيون الآن في مناطقهم، وكما حاولت الإخوان فعله خلال أحداث ما بعد 2011 في عدة دول. هي فوضى مقصودة، تُدار بخطة، ويُستثمر فيها الألم الشعبي لإعادة تشكيل السلطة. لا فرق بين "الذئاب المنفردة" و"الأجنحة السياسية"، الكل يتحرك وفق منطق التنظيم العابر للحدود.

الإخوان أيضاً استخدموا الإعلام الاجتماعي بمهارة فنية عالية. عبر تطبيقات مثل "فيسبوك"، أنشأوا صفحات جغرافية موجهة، مثل "إخوان بورسعيد"، و"إخوان الفيوم"، واستهدفوا جمهور الشباب تحديداً، بصفحات مثل “إحنا شباب الإخوان”، ثم انتقلوا إلى "تويتر" و"تيليجرام"، وتمكنوا من توظيف هذه المنصات لأغراض التجنيد، ونشر الفتاوى، والتحريض، واستعراض القوة الجماهيرية الوهمية، وفي الجنوب تم إنشاء منصات على اساس جغرافي أيضاً شبيهه بالإستراتيجية الإخوانية في مصر، حيث تم إنشاء منصات، مثل منصة ابناء عدن، منصة ابناء لحج. إضافة الى قنوات بمسميات جغرافية مثل حضرموت، المهرية.

لكن هذا الانخراط الكثيف في الإعلام لم يكن كافياً لتحقيق أهدافهم، لأن الجماعة كانت ولا تزال أسيرة بنيتها السرية، وطموحاتها السلطوية. لا ترى في الوطن سوى محطة، وفي الدولة سوى غنيمة. لا تؤمن بالتنوع، بل بالاحتواء أو التبعية الإيديولوجية. وكل أدواتها، من الإعلام إلى التعليم إلى الاقتصاد، ليست سوى روافد لمشروع ظلامي، يقوم على الاستبدال: استبدال الدولة بالجماعة، والدستور بالبيعة، والسيادة بالمظلومية، والحريات بالشعارات.

إن ما يحدث اليوم في جنوب اليمن ومصر وتونس وليبيا والسودان ليس سوى فصول مختلفة من سردية واحدة: جماعة تلبس عباءة الدين لتبرير العنف، وتستغل الإعلام لبث الفرقة، وتوظف الشباب كوقود في معاركها، ثم تتنصل من المسؤولية. هي جماعة تتماهى مع الخصم الأيديولوجي حين تلتقي المصالح، كما تفعل مع ميليشات الحوثي في الجنوب. العدو واحد: الدولة. والوسيلة واحدة: الفوضى، بل إن عمليات ادارة الفوضى ناتجه عن استراتيجية اخوانية اتسمت بضرب القيم والمحتمعات عندما تكون خارج المعادلة او مرفوضه شعبياً ابرزها عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات واغراق المجتمع بها.

فهم هذا المشروع لا يمكن أن يتم إلا من خلال الربط بين الأحداث، والمراجعة العميقة للفكر والسلوك والتنظيم. وهو ما باتت تدركه الكثير من الدول اليوم، التي تجرّعت مرارة غضّ الطرف عن النشاط الإخواني، سواء كان عبر جمعيات أو منصات إعلامية أو واجهات دعوية او شبكات تهريب. فالصمت عن مشروع قائم على هدم الدولة، هو شراكة غير مباشرة في الخراب والدمار.

فيديو