تحليل: كيف يعيد "أمجد خالد" تدوير الإرهاب بوِشاية تخادم حوثي-إخواني

دراسات وتحليلات - منذ 9 ساعات

عين الجنوب | خاص

عاد اسم أمجد خالد إلى المشهد على شكل إعلانٍ يحمل في طيّاته تهديدًا جديدًا لأمن الجنوب، إذ أعلن الرجل تشكيل كيان مسلّح أطلق عليه اسم "المقاومة الوطنية الجنوبية لتحرير الجنوب المحتل كما زعم " الإعلان بدا، وفق قراءات تحليلية وأمنية، أقلَّ ما يكون إعادة تدوير لمشروع عنفي قديم منه ولادة كيان مستقل جديد. فالملاحظ أن هذه الخطوة جاءت من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين، ما يثير شبهات قوية حول وجود عمليات تخادم وتنسيق غير معلن بين أطراف محلية وإقليمية تسعى لإدارة الفوضى في الجنوب عبر أدوات خلاياوية وإرهابية.

لا يقرأ الإعلان بمعزل عن السياق الأمني؛ فقد تزامن مع سلسلة هجمات وتفجيرات شهدتها محافظة جنوبية خلال الأشهر الماضية، مما يجعل تشكيل "الكيان" جزءًا من منظومة أوسع تهدف إلى إعادة تفعيل أدوات العنف القديمة بواجهات تبدو سياسية أو "مقاومة" لكنها عمليًا تشتغل كسلاح ضغط على امن الجنوب وإرباك الأجهزة الأمنية. وفي هذا الإطار، لا يقتصر الهدف على إذكاء العنف فحسب، بل يتعداه إلى صنع روايات إعلامية وسياسية تُنسب فشل الحماية للمؤسسات المحلية، وتُجعل المواطن يشكّك في قدرة دولته على تأمين مقوّمات حياته.

سجل أمجد خالد الأمني يجعل الشك يزداد؛ فالسجلات المتوفرة لدى جهات أمنية تربط اسمه بعمليات تفجيرية وتخريبية سابقة استهدفت قيادات ومواقع مدنية وعسكرية في عدن ومحافظات محررة أخرى. من زاوية ميدانية، تبدو الحركة أشبه بمرحلة "تجميع" للخلايا النشطة وإعادة توظيفها تحت غطاء سياسي جديد، وهو ما يسمح للقائمين على المشروع بامتصاص ضغوط الملاحقة القضائية عبر نقل عناصرهم إلى مناطق آمنة لدى حاضنين إقليميين أو محليين.

أحد أوجه القلق الرئيسية يتمثل في آلية التمويل والتموين والملاذات اللوجستية. فالتقارير والتحقيقات تشير إلى وجود شبكات عبور ولوجستيات تربط مناطق مثل تعز بمناطق سيطرة الحوثيين، عبر مسارات تهريب وتسهيلات ميدانية تسمح بإعادة تمركز العناصر المطلوبين. هذا المخزون اللوجستي يجعل من أي إعلان مسلّح اختبارًا عمليًا لقدرة الخلايا على التنسيق والتنقّل وقياس جاهزيتها أمام الرد الأمني، كما يسمح لحاضنين أو داعمين خارجيين باستثمار النتائج لأغراض سياسية.

سياسيًا وإعلاميًا، يخدم الإعلان هدفين متوازيين: الأول، ضرب مصداقية النُخب المحلية عبر إبراز "عجز" المؤسسات عن حماية نفسها، والثاني، خلق رواية بديلة تمنح شرعية زائفة لقيادات وجماعات لا تملك مشروعية فعلية. هاتان الغايتان تفتحان الباب أمام إعادة تعبئة قواعد مؤيدة عبر خطاب شعاراتي واعد، ما يعيد إنتاج دوائر عنف داخل النسيج الاجتماعي المحلي ويعقّد جهود المصالحة والبناء.

المحلّلون الأمنيون يعتبرون أن ما يجري لا ينبغي فهمه كتحالف دائم أو قابل للتعميم، إذ إن تحالفات ميدانية قد تكون ظرفية ومتقلبة. لكن الخطر يكمن في أن ثمة تفاهمات تكتيكية تتيح تبادل المنافع بين جهات متباينة الأيديولوجيا حين تتقاطع مصالحها، ما يفضي إلى إدارة ملفات العنف بطريقة ممنهجة تخدم أطرافًا تبحث عن نفوذ أو موارد.

ردّ الفعل المطلوب، بحسب تقديرات خبراء، يجب أن يكون متعدد الأبعاد: أولًا، تشديد الإجراءات الاستخباراتية وتعزيز القدرات على تتبّع خطوط التمويل والاتصالات والتهريب؛ ثانيًا، تنسيق أمني إقليمي يقطع الملاذات العابرة للحدود ويمنع إعادة تموضع العناصر؛ ثالثًا، حملة إعلامية واستمرارية في كشف حقائق التخادم والفضح القانوني للعلاقات التمويلية؛ ورابعًا، مبادرات مجتمعية وسياسية لاحتواء أي محاولة لتعبئة شبان عبر وعود زائفة تمنحهم "شرعية" وهمية.

من جهة قانونية، تؤكد المصادر أن الملاحقة القضائية والالتزام بإجراءات محاكمة عادلة ولكن حازمة تمثّل آلية ضرورية لكسر منطق الإفلات من العقاب الذي يغذي عمليات إعادة الإنتاج الإرهابي. ومن جهة مدنية، ينبغي تعزيز شبكات الحماية المجتمعية ومساندة الأجهزة المحلية في جهود إعادة الثقة بالسلطة وتفكيك رواسب التطرف التي تُستغل من قبل هؤلاء الفاعلين.

في نهاية المطاف، لا ينطوي إعلان أمجد خالد على خطر رمزي فحسب، بل يمثل مؤشرًا لمرحلة تتسم بإدارة الفوضى عبر وكلاء محليين مدعومين أحيانًا من بيئات إقليمية. إذ لا يكفي محاربة الأعراض الميدانية دون قطع أذرع التمويل واللوجستيات وتحطيم روايات الشرعية المزيّفة. ومن ثمّ، فإن حماية الجنوب تتطلب تضافرًا أمنياً، وسياسياً، ودبلوماسيًا، ومجتمعيًا، كي لا يتحوّل الإعلان إلى منصة لإعادة إنتاج وحشيةٍ تهدّد استقرار المدنيين ومستقبل الأجيال.

فيديو