تحليل سياسي: علاقات تاريخية تُحيي القنصلية الروسية في قلب عدن

دراسات وتحليلات - منذ 9 شهر

في مشهد يعكس عمق العلاقات التاريخية بين روسيا الاتحادية والجنوب، استقبل الأستاذ علي عبد الله الكثيري، القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس الجمعية الوطنية، وفدًا دبلوماسيًا روسيًا رفيع المستوى برئاسة السفير ألكسندر كينشاك، مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الروسية. 

اللقاء، الذي تم في العاصمة عدن، جاء محملاً برسائل سياسية واستراتيجية متنوعة، تتراوح بين المحلي والإقليمي.

▪️العلاقات التاريخية بين روسيا والجنوب. 
 
لطالما كانت العلاقة بين الجنوب وروسيا عميقة ومتجذرة، حيث تواصلت على مر السنين، منذُ العهد السوفيتي، كانت موسكو تدعم الجنوب في مجالات متعددة، بدءاً من الاقتصاد وصولاً إلى السياسة والعسكرية.

ورغم تفكك الاتحاد السوفيتي وتحولات القوى العالمية، فإن هذا الارتباط ظل قائمًا، اليوم، تأتي زيارة الوفد الروسي لتعيد تأكيد هذا الإرث، وتُبرز الدور الحيوي لروسيا في سياق التحولات السياسية المتسارعة في المنطقة.

لقد كان السفير كينشاك بمثابة رمز لتمثيل تلك العلاقة، حيث أشار إلى أهمية إعادة فتح القنصلية الروسية في عدن، كدليل على أن روسيا تضع الجنوب في بؤرة اهتمامها كمركز استراتيجي في تحقيق الاستقرار الإقليمي، تعكس هذه الخطوة أيضًا رغبة موسكو في تعزيز العلاقات مع الجنوب عبر بوابة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أصبح القوة الفاعلة الأبرز في الجنوب.

▪️إعادة فتح القنصلية: دلالات سياسية واقتصادية. 

لا تُعد إعادة فتح القنصلية الروسية مجرد خطوة رمزية، بل تحمل في طياتها أبعاداً سياسية واقتصادية عميقة، سياسياً، تشير هذه الخطوة إلى أن روسيا تسعى لتعزيز نفوذها في الجنوب كجزء من استراتيجيتها في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتنافس الدول على هذا المحور الجيوسياسي الحيوي.

تُعتبر القنصلية بمثابة اعتراف دولي، خصوصاً من جانب روسيا، بأن الجنوب يعيش حالة من الاستقرار النسبي مقارنةً ببقية المناطق، وهذا يُعد انتصاراً سياسياً للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسعى لتأكيد قدرته على إدارة شؤون الجنوب بعيداً عن النزاعات الشمالية.

على الصعيد الاقتصادي، تأمل القيادة الجنوبية أن يسهم الدعم الروسي في تطوير البنية التحتية لعدن والمناطق الجنوبية، وخاصةً في قطاعات الكهرباء والطاقة، فالتعاون الروسي في هذه المجالات يمكن أن يُحدث تغييرا كبيرا في الأوضاع الاقتصادية، حيث أن لروسيا تاريخاً طويلا في هذا المجال.

▪️المجلس الانتقالي الجنوبي: الشريك الموثوق

برز دور المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، كحليف موثوق للقوى الإقليمية والدولية، وأكد الكثيري، خلال حديثه مع الوفد الروسي، استعداد المجلس لتوفير كافة التسهيلات اللازمة لإعادة فتح القنصلية، يعكس هذا التوجه رغبة المجلس في توطيد علاقاته مع روسيا والاعتماد على حلفاء أقوياء لتحقيق أهدافه في استعادة الدولة الجنوبية.

اليوم، يمثل المجلس الانتقالي قلب المشهد السياسي في المنطقة، حيث يسعى لتعزيز دوره كضمان للاستقرار في المنطقة، لا يهدف المجلس فقط إلى الاعتراف الدولي، بل يسعى أيضا للعب دور فاعل في أي مفاوضات مستقبلية تتعلق بحل الأزمة في المنطقة.

▪️رسائل سياسية إلى الداخل والخارج

اللقاء الذي جمع الكثيري بالوفد الروسي حمل في طياته رسائل سياسية واضحة. فمن ناحية، أكد الكثيري على ضرورة أخذ وضع الجنوب بعين الاعتبار في أي حديث عن عملية سلام، كما أشار إلى أن التصعيد الحوثي يُعتبر عقبة أمام أي جهود للسلام، مما يُعبر عن موقف المجلس الحاسم تجاه الحوثيين.

على الجهة الأخرى، كانت هناك دعوة واضحة للمجتمع الدولي والإقليمي، حيث يسعى المجلس الانتقالي إلى أن يكون له دور في أي تسوية سياسية شاملة، داعيا القوى الدولية، وفي مقدمتها روسيا، لتقديم الدعم اللازم لطموحات الجنوب.

▪️دور روسيا في المرحلة المقبلة 

تُشير الخطوة الروسية بإعادة فتح القنصلية في عدن إلى رغبة موسكو في توسيع دورها في حل الأزمة اليمنية، وبفضل علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، يمكن أن تُصبح روسيا لاعبا محوريا في تعزيز السلام والاستقرار.

تاريخيا، لعبت روسيا دورا بارزا في المنطقة، وبدت اليوم جاهزة لتفعيل دورها من خلال شراكة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، إذا ما تعززت هذه الشراكة، فإنها لن تُفيد الجنوب فقط، بل ستمتد آثارها الإيجابية إلى المنطقة ككل.

▪️ شراكة استراتيجية نحو المستقبل

اللقاء الذي جمع الكثيري بالوفد الروسي يُعد خطوة مهمة نحو بناء شراكة استراتيجية بين الجنوب وروسيا، إذا تم تعزيز هذه الشراكة، يمكن أن تُصبح رافعة قوية لتحقيق تطلعات الجنوب في استعادة دولته وتعزيز الاستقرار في المنطقة، كما تمثل فرصة لروسيا لتوسيع نفوذها في منطقة تشهد تنافسا دوليا متزايدا.

من الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي سيستمر في العمل لتعزيز هذه الشراكات الدولية بما يصب في مصلحة الجنوب وشعبه، معززا دوره كقوة فاعلة في الساحة الدولية والإقليمية.

فيديو