موسكو وأنقرة | ما خلف الكواليس..!

دراسات وتحليلات - منذ 5 شهر

عين الجنوب | تحليل-خاص 

تساؤل حول تسليم روسيا لحليفها في الشرق الأوسط لتركيا خاصة بهذه السرعة هل يمكن إعتبار ذلك نتاج طبيعي أم هناك مقابل مثل تعزيز نفوذها في ليبيا، خاصة وأن الامر ليس مجرد لعبة سياسية تقليدية بين الدول؛ إنه أشبه برقصة دقيقة في ميدان شطرنج جيوسياسي متشابك، تعيد تشكيل خرائط النفوذ والتحالفات وتعيد تعريف الأهداف الاستراتيجية لكل طرف.

هل هو تحالف الضرورةبين روسيا وتركيا والذي يبرز ما يدور خلف الكواليس بين موسكو وأنقرة والذي يعد اتفاقاً غير مكتوب يقوم على تبادل المصالح الحيوية أكثر من كونه شراكة طويلة الأمد. من ناحية، روسيا تُدرك أن مغامرتها في سوريا بدأت تفقد الزخم، خصوصاً مع تضاؤل عائدات الدعم العسكري والاقتصادي للنظام السوري تحت العقوبات الغربية. بينما من ناحية أخرى، تركيا، التي تسعى لتوسيع نفوذها في المناطق الشمالية من سوريا، تعتبر السيطرة على مناطق الأكراد قضية أمن قومي لا تقبل التهاون. لكن هذا الترتيب لم يكن ليحدث لولا وصول الطرفين إلى قناعة مشتركة؛ أن سوريا وليبيا هما ساحتا معركة يمكن لكل طرف أن يحقق مكاسب فيهما دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة، بينما يجري كل منهما تكييف سياساته الإقليمية وفق أولوياته.

التخلي الروسي، وإن بدا ظاهرياً كأنه خسارة نفوذ في سوريا لصالح تركيا، إلا أنه في جوهره خطوة استراتيجية. موسكو تدرك أن تواجدها العسكري الطويل في سوريا مكلف، وأن المكاسب الاقتصادية والسياسية محدودة مقارنة بتدخلها في ليبيا، التي تمثل بوابة غنية بالنفط وفرصة لتعزيز نفوذها في البحر المتوسط. تسليم موسكو لجزء من الأرضية السورية لتركيا قد يكون صفقة (مجزية) خاصة إذا أدى ذلك إلى تقليل الضغط الدولي على روسيا وإعطائها هامشاً للتحرك في ليبيا.

في ليبيا، روسيا ليست فقط تبحث عن النفط، بل عن قاعدة نفوذ أوسع في البحر المتوسط المطل على أوروبا. دعمها لخليفة حفتر ليس مجرد تحالف تكتيكي؛ بل هو جزء من رؤية استراتيجية أوسع للتمدد في شمال أفريقيا، وخلق توازن في مواجهة التحالفات الغربية. من خلال صفقة ضمنية مع تركيا، ربما ضمنت موسكو حرية التحرك في ليبيا مقابل منح أنقرة الضوء الأخضر شمال سوريا.

هذا الترتيب يجعل روسيا أكثر جرأة في التعامل مع ليبيا، حيث يمكنها استغلال فوضى الحرب لتوسيع مصالحها الاقتصادية، وفرض نفسها كوسيط أساسي في حل الصراعات الإقليمية، مما يمنحها دوراً لا غنى عنه على الساحة الدولية.

أما أنقرة، فتكسب على كلا الجبهتين. في سوريا، تحقق أهدافها الاستراتيجية في كبح الجماعات الكردية المسلحة والذي تدعمها الولايات المتحدة، بينما تحتفظ بعلاقات متوازنة مع روسيا تسمح لها بالتحرك بحرية أكبر في ليبيا دون مواجهة مباشرة معها.

في ليبيا، تركيا تدعم حكومة طرابلس، لكنها تدرك تماماً أن روسيا تمثل ثقلاً عسكرياً وسياسياً لا يمكن تجاوزه. لذا، قد يكون التنسيق أو التفاهم غير المباشر مع موسكو ضرورة لتفادي تصعيد مكلف.

اللافت أن هذا الترتيب مبني على مصالح مؤقتة وحسابات آنية. فروسيا وتركيا الى حد ما ليستا حليفتين طبيعيتين. لكن الواقع الجيوسياسي الحالي يفرض عليهما التنسيق بدلاً من التصادم، ولو مؤقتاً.

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هو! إلى أي مدى يمكن لهذا التفاهم الصمود؟ فإذا تغيرت موازين القوى في ليبيا أو سوريا، أو طرأت ضغوط دولية جديدة، فإن هذا الاتفاق غير المعلن قد ينهار، تاركاً كلا الطرفين في مواجهة خيارات معقدة.

التحرك الروسي في ليبيا يمنح موسكو ورقة ضغط إضافية على أوروبا والولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمسألة الطاقة وأمن البحر المتوسط. بينما تستفيد تركيا من تقليص الخطر الكردي وتوسيع نفوذها الإقليمي. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في قدرة الطرفين على إدارة هذا التوازن دون الدخول في صدام.

في المحصلة، هذا السيناريو ليس سوى فصل جديد في لعبة النفوذ العالمية، حيث يتم استبدال السيطرة على المناطق بالصفقات السياسية والتفاهمات التكتيكية. فسواء كان الأمر يتعلق بسوريا أو ليبيا، فإن الحقيقة الواضحة هي أن المصالح وحدها هي التي تحدد قواعد اللعبة، بينما تبقى الشعوب رهينة لهذه الحسابات الباردة.

فيديو