تحليل :تحولات جيوسياسية: تحالفات جديدة تهدد الاستقرار العالمي

دراسات وتحليلات - منذ 4 شهر

شراكات استراتيجية موسكو، بيونغ يانغ، وصنعاء في مواجهة الغرب

عين الجنوب | تقرير - خاص

يمثل تورط القوات الكورية الشمالية في الحرب الروسية الأوكرانية إلى جانب روسيا، إلى جانب التقارير عن دعم الحوثيين للجهود الروسية، تطوراً مذهلاً في الجغرافيا السياسية والتحالفات العالمية.  ويكشف هذا الوضع عن تزايد اصطفاف اللاعبين غير التقليديين في صراعات بعيدة عن مناطقهم المباشرة، مدفوعين بمصالح أيديولوجية واستراتيجية متداخلة.

 تؤكد الأخبار عن الدعم العسكري الذي تقدمه كوريا الشمالية لروسيا سواء بالجنود او المعدات، نية كيم جونغ أون تعزيز العلاقات مع موسكو مع إظهار نفوذها في الشؤون العالمية.  لقد أتاحت العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب الفرصة لكوريا الشمالية لتأكيد نفسها كحليف مفيد للكرملين. وتتميز هذه الشراكة بمنافع متبادلة: إذ تكتسب موسكو قوة بشرية إضافية ودعماً مادياً، في حين تؤمن بيونغ يانغ المساعدات الاقتصادية خاصة النفط، والوصول إلى التكنولوجيا الروسية المتقدمة، والدعم السياسي على المسرح العالمي.

 كما أن قرار كوريا الشمالية بإشراك قواتها، يبعث برسالة قوية إلى الغرب.  إنها تشير إلى استعدادها لتحدي هيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشكل غير مباشر مع تعزيز شراكتها مع روسيا ضد الخصوم المشتركين.  كما أن مشاركة القوات الكورية الشمالية هي بمثابة أداة دعائية لبيونغ يانغ، بهدف إظهار قوة وولاء جيشها في ظل جنون العظمة لدى كيم.

وفي الجانب الآخر، يعكس اصطفاف الحوثيين مع المصالح الروسية في أوكرانيا إعادة التنظيم الأوسع للتحالفات العالمية حيث تجد الجماعات المتمردة المحلية أرضية مشتركة مع الجهات الحكومية في الصراعات الكبرى. في حين أن مسرح العمليات الرئيسي للحوثيين هو الحرب ضد الجنوب، ولكن انخراطهم إلى الجانب الروسي يخدم أغراض متعددة أبرزها التمويل العسكري الروسي لتهديد الممرات البحرية.

يرى الحوثيون، الذين يعتمدون بالفعل على الدعم الإيراني، فرصة لتعزيز العلاقات مع روسيا. إن دعم موسكو يمكن أن يعزز مكانتهم الجيوسياسية ويزودهم بنفوذ إضافي ضد خصومهم في في المنطقة، وخاصة التحالف السعودي-الإماراتي بالإضافة الى القوات الجنوبية.

يبرز أن أي دعم مادي أو لوجستي تقدمه الجماعة لروسيا يمكن أن يؤدي إلى فوائد اقتصادية، مثل إمدادات الأسلحة أو التمويل لمواصلة عملياتهم في المنطقة. فالواضح أن خطاب الحوثيين المناهض للغرب يتماشى مع جهود روسيا لتقويض النفوذ الأمريكي والأوروبي على مستوى العالم.  ويعمل هذا التداخل الأيديولوجي على تعزيز التعاون الأعمق، حتى لو ظلت مشاركتهم المباشرة في أوكرانيا محدودة.

فكما يظهر، مشاركة كل من القوات الكورية الشمالية والحوثيين إلى جانب روسيا تمثل تحولاً في كيفية تفاعل الحرب بالوكالة والصراعات العالمية. توضح هذه التطورات كيف تشارك الجهات الفاعلة المحلية أو الإقليمية بشكل متزايد في الصراعات العالمية، سعياً وراء النفوذ والمكاسب التي تتجاوز سياقاتها المباشرة.

وفي حين أن حجم مشاركة جماعة الحوثيين قد لا يكون حاسماً، فإن الطبيعة الرمزية لهذه التحالفات تشجع روسيا. فهو يسمح لموسكو بتقديم نفسها كجزء من تحالف أوسع يقاوم الهيمنة الغربية، مما يقوض رواية الناتو عن العزلة العالمية لروسيا.

ومع ذلك، يؤدي تحالف الحوثيين مع روسيا إلى تعقيد ديناميكيات الصراع.  ويمكن أن يثير ردود فعل أقوى من دول الخليج، التي قد تنظر إلى هذه الشراكة على أنها تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي. كما أنه يثير تساؤلات حول دور إيران، حيث أن دعم طهران للحوثيين قد يتماشى بشكل مباشر او غير مباشر مع المصالح الروسية.

ففي ما يتعلق بتصرفات بيونغ يانغ تبدوا كتذكير بانتهازيتها الاستراتيجية. ومن خلال الانخراط في صراع بعيد، فإنها تعزز أهميتها كلاعب قادر على تشكيل ديناميكيات الأمن العالمي، في حين تتحدى الغرب.

تشير هذه التطورات إلى ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب تلعب فيه التحالفات غير التقليدية دوراً مهماً، فمن كان يتوقع أن جنود من اليمن الشمالي سيحاربون في أوروبا يوماً. يتضح من ذلك أن البلدان والجهات الفاعلة غير الحكومية الساخطة على الهيمنة الغربية طورت قضية مشتركة، بغض النظر عن الاختلافات الإيديولوجية أو الجغرافية.  يتحدى هذا الاتجاه المفاهيم التقليدية للتحالفات ويؤكد على الطبيعة المتغيرة للجغرافيا السياسية المعاصرة. إن تورط كوريا الشمالية والحوثيين في دعم روسيا يكشف تعقيدات الحرب الحديثة والتحالفات العالمية. إنه يشير إلى عالم تتشابك فيه حتى الجهات الفاعلة المحلية والصراعات البعيدة بشكل متزايد، مما يعيد تشكيل المشهد العالمي ويعقد الجهود المبذولة لحل الصراعات. وتتطلب هذه الديناميكيات استجابة دقيقة من المجتمع الدولي لمعالجة الترابط المتزايد بين الصراعات الإقليمية والعالمية.

في تقرير لمؤسسة كارنيجي يبرز أن تورط جماعة الحوثي وكوريا الشمالية في الحرب الأوكرانية الروسية يتوافق مع الأنماط الاستراتيجية والجيوسياسية التي تتأثر بتحالفاتهما. ووفقاً للتحليلات الأخيرة، لعب الحوثيون، بصفتهم وكلاء إيران في شمال اليمن، دوراً في تمكين تطوير واختبار الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية، والتي تُستخدم الآن في الهجوم الروسي ضد أوكرانيا.  وكانت هذه الطائرات بدون طيار، بما في ذلك شاهد-136، فعالة في استراتيجية روسيا المتمثلة في استهداف البنية التحتية المدنية لإضعاف عزيمة أوكرانيا. تشير الدلائل إلى أن خبرة الحوثيين المكتسبة في الصراعات ضد المملكة العربية السعودية والقوات الجنوبية وغيرها من اللاعبين الإقليميين قد دعمت روسيا بشكل غير مباشر من خلال تطبيق هذه التقنيات التي تم اختبارها قتالياً. ومن ناحية أخرى، أفادت التقارير أن كوريا الشمالية قدمت الدعم العسكري لروسيا، بما في ذلك قذائف المدفعية وغيرها من الإمدادات، مما يؤكد تحالفها مع موسكو ضد أوكرانيا المدعومة من الغرب. تُظهر هذه الديناميكية كيفية ترابط مناطق الصراع العالمية والجهات الفاعلة الأصغر من خلال تحالفات استراتيجية مع قوى أكبر مثل روسيا وإيران.

وفقاً لتقرير ناشنال إنترست، تسلط الآثار المترتبة على هذه التطورات الضوء على التوافق المتزايد بين الجهات الفاعلة المناهضة للغرب.  ويعكس تعميق علاقات روسيا مع وكلاء إيران مثل الحوثيين، إلى جانب الدعم المباشر من كوريا الشمالية، تراجعاً استراتيجياً ضد النفوذ الغربي، مما يزيد من تعقيد حل الصراعات الإقليمية والدولية.  وهذا يؤكد ضرورة قيام القوى العالمية بمعالجة هذه التحالفات من خلال استراتيجيات منسقة تشمل العقوبات والضغط الدبلوماسي لتجنب تدويل هذا الصراع في أوكرانيا او اي مكان آخر، بجانب أن دعم توازن القوى مثل القوات الجنوبية في الجنوب سيلعب دوراً محورياً في الضغط على الحوثيين. ولعل السؤال الأهم هو ما هي مخرجات إجتماع مسؤولي حلف الناتو والولايات المتحدة مؤخراً والذي كشف عنه أثنان فضلا عدم الكشف عن هويتهما؟!.

فيديو