المجلس الإنتقالي الجنوبي والولايات المتحدة الأمريكية ماذا بعد قرار ترامب

دراسات وتحليلات - منذ 16 يوم

عين الجنوب | تحليل - خاص

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية يحمل دلالات كبيرة على المشهدين السياسي والعسكري في المنطقة والأقليم الأوسع في البحر الأحمر. هذه الخطوة الحاسمة تعكس مستوى جديداً من الانخراط الأمريكي في مواجهة تهديد الحوثيين وداعميهم الإقليميين في طهران. وتنسجم بشكل مباشر مع الموقف الذي طالما تبناه المجلس الانتقالي الجنوبي بأن الحسم، وليس الدبلوماسية وحدها، هو السبيل الأمثل لتحجيم نفوذ الحوثيين المزعزع للاستقرار. دعم المجلس الانتقالي الجنوبي لهذا القرار يبرز إمكانية تعميق التعاون بين القيادة الجنوبية والولايات المتحدة وحلفاءها في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة وتعزيز الاستقرار في منطقة جيوسياسية بالغة الأهمية.

فلطالما كانت مليشيا الحوثيين مصدر رئيسي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، حيث أدت ممارساتها إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وإضعاف الأمن الإقليمي وتهديد طرق التجارة الدولية. ارتباطهم الوثيق بإيران بالإضافة الى روسيا مكّنهم من الحصول على أسلحة متطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، والتي استخدموها ضد أهداف مدنية وعسكرية في الجنوب والمملكة وحتى الإمارات. بالإضافة إلى ذلك، فإن هجماتهم المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن تمثل تهديد مباشر للاقتصاد العالمي، حيث تعد هذه الممرات المائية شرايين حيوية للتجارة الدولية.

تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يعيد رسم الخطوط الحمراء، مشيراً إلى أن أفعالهم لم تعد مقبولة على الساحة الدولية. هذا التصنيف لن يحد فقط من قدرتهم على الحصول على الدعم المالي والمادي، بل سيمكن أيضاً الجهات الإقليمية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي من العمل بشكل أوثق مع الولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة نفوذ الحوثيين.

الواقع أن المجلس الإنتقالي الجنوبي بصفته قوة فاعلة على الأرض قدم نفسه كجهة فاعلة رئيسية في محاربة الإرهاب والتطرف في الجنوب والمنطقة. قيادته، بقيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي، دعت باستمرار إلى استجابة دولية حازمة لمواجهة تهديد الحوثيين وتدخلات إيران في الشؤون الإقليمية وكجهة تمثل الجنوب العربي، يلعب المجلس دور محوري في استقرار محافظات الجنوب التي تقع بالقرب من ممرات بحرية حيوية مثل مضيق باب المندب.

ترحيب المجلس الانتقالي الجنوبي الهام بقرار ترامب يؤكد التزامه برؤية مشتركة للأمن الإقليمي. تواجد المجلس القوي في الجنوب، يجعله شريك طبيعي للجهود الدولية في تأمين البحر الأحمر وخليج عدن. وبفضل تنظيمه الأمني المحلي وشرعيته الشعبية، يمتلك المجلس الانتقالي الجنوبي قدرات فريدة للمساهمة في عمليات مكافحة الإرهاب وحماية خطوط الملاحة البحرية، فضلاً عن تأسيس إطار للحكم المستدام في المناطق المحررة.

في خضم هذه التطورات التي حتماً أدارها المجلس الإنتقالي بحكمه يمكننا أن نتساءل ماذا من المحتمل أن يحدث بعد قرار ترامب تصنيفه الحوثيين كمنظمة إرهابية.
على مايبدو أن إستجابة القيادة الأمريكية سيفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الولايات المتحدة والقوى الجنوبية بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي والتي يمكن أن تشمل: الأمن البحري؛ فالقوات الجنوبية، وخاصة قوات الآمن الجنوبية وقوات خفر السواحل تلعب بالفعل دور هام في حماية المياه الإقليمية من القرصنة والتهريب. بدعم أمريكي، يمكن تعزيز هذه الجهود للتصدي لتهديدات الحوثيين البحرية. يشمل ذلك تدريبات مشتركة، تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتوفير معدات مراقبة متطورة. بالإضافة الى التعاون في عمليات مكافحة الإرهاب، مع تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، يمكن للولايات المتحدة تقديم دعم مباشر للقوات الجنوبية لتنفيذ عمليات محددة ضد قيادات الحوثيين ومستودعات أسلحتهم ومسارات التهريب. قد يشمل ذلك المساعدة اللوجستية، الدعم الجوي، ونشر مستشارين متخصصين لتدريب القوات المحلية. أضف الى ذلك الدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار خاصة في ظل الواقع الحالي المتدهور، فـ استقرار محافظات الجنوب يتطلب تعاوناً عسكرياً، واستثمارات اقتصادية أيضاً. الولايات المتحدة، بالتنسيق مع حلفاء الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية الشقيقة يمكنها توجيه الموارد نحو إعادة بناء البنية التحتية وخلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الجنوبي. هذه الجهود ستساهم في تعزيز نموذج حكم المجلس الانتقالي كبديل ناجح لسيطرة الحوثيين على الشمال. والأهم في ذلك هو الدعم الدبلوماسي، حيث يدافع المجلس الانتقالي الجنوبي عن عملية سياسية شاملة تعكس تطلعات شعب الجنوب نحو تقرير المصير. من خلال التنسيق مع المجلس، يمكن للولايات المتحدة دعم إطار سياسي يعالج الصراع طويل الأمد في المنطقة ويمهد الطريق لتحقيق سلام دائم. كما يتطلب ذلك ضغطاً دولياً على إيران لوقف تدخلاتها ودعمها للحوثيين بالإضافة الى إحترام إرادة الجنوبيين.

والسبب هو أن الصراع مع الحوثيين ليس قضية محلية، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديناميكيات الإقليمية الأوسع، خاصة الصراع بين إيران ودول الخليج، الشرق والغرب. باستهداف الحوثيين، ترسل الولايات المتحدة رسالة واضحة لطهران وحلفاءها بأن أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة لن تُقبل بعد الآن. هذا القرار يعزز أيضاً موقف حلفاء أمريكا، الذين تحملوا العبء الأكبر في مواجهة عدوان الحوثيين.

بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، يشكل هذا القرار فرصة لترسيخ نفسه كركيزة أساسية في الهيكل الأمني الجديد للمنطقة. تحالفه مع دول الخليج ونهجه الاستباقي في مكافحة الإرهاب يجعله عنصراً ذا قيمة في مواجهة النفوذ الإيراني الأوسع. علاوة على ذلك، فإن سيطرته على الجنوب توفر حاجزاً أمام انتشار التطرف، مما يضمن بقاء الجنوب خالي من اختراق الحوثيين والقاعدة.

وبينما يمثل تصنيف الحوثيين خطوة إيجابية، إلا أنه يأتي بتحديات. تخشى المنظمات الإنسانية أن يؤدي هذا القرار إلى تعقيد إيصال المساعدات لملايين السكان في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وهذا يتطلب من المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها، العمل على تخفيف هذه المخاطر من خلال تسهيل وصول المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها.

علاوة على ذلك، يعتمد نجاح هذه الاستراتيجية على التزام دولي مستدام. الحوثيون أثبتوا قدرتهم على التكيف مع التحديات الجديدة، مما يؤكد أهمية اتباع نهج طويل الأمد ومتكامل يجمع بين الضغوط العسكرية والعقوبات الاقتصادية والمبادرات الدبلوماسية.

لكن ما هو جلي حالياً هو أن دعم المجلس الانتقالي الجنوبي لقرار الرئيس ترامب يعكس التزامه بمستقبل خال من الإرهاب والتدخلات الخارجية. هذا التوافق مع السياسة الأمريكية يمثل فصلاً جديداً في مواجهة الحوثيين وداعميهم الإيرانيين، وهو فصل يركز على الأمن والاستقرار والازدهار للمنطقة والإقليم الأوسع.

وبينما يواصل المجلس الانتقالي تعزيز موقعه في الجنوب، سيكون تعاونه مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين حاسماً في تحديد نتائج هذا الصراع. المجلس الإنتقالي بالتعاون مع المجتمع الإقليمي والدولي، يمكنهم بناء أساس للسلام يعالج جذور عدم الاستقرار ويحمي طرق التجارة الحيوية ويمنح الأمل لملايين السكان الذين عانوا طويلاً. هذا القرار هو نقطة تحول للمنطقة، وإعلان صريح عن عزم جماعي لمواجهة الإرهاب ومموليه، مؤكداً أهمية العمل المشترك في مواجهة التحديات المشتركة.

فيديو