كيف تعيد الطاقة المتجددة تشكيل مستقبل المنطقة؟

تقارير - منذ 4 ساعات

عين الجنوب | تقرير - خاص

ام شاشة تعرض نماذج محاكاة لأنماط الرياح، متخصصة بتعديل معايير برمجية، لتظهر بيانات دقيقة عن إمكانية تشغيل توربينات الرياح بكفاءة تصل إلى 85%. هذا المشهد، على بساطته التقنية، يعكس تحوّلاً عميقاً يتجاوز حدود المكان والاختصاص: من اقتصاد تقليدي يعتمد على الوقود الأحفوري إلى مستقبل تقوده الطاقة النظيفة والمعرفة التكنولوجية.

هذا التحول هو جزء من موجة عالمية تعيد رسم خارطة النفوذ الاقتصادي. فبينما تواصل الصين توسيع مشاريعها في الطاقة الشمسية والنووية، مستثمرة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، تسير أوروبا بخطى حثيثة نحو تحييد الانبعاثات، متخذة من التحول الأخضر محوراً لسياساتها الاقتصادية والديبلوماسية. حتى الولايات المتحدة، رغم تفاوت السياسات بين الولايات، دخلت في سباق تطوير شبكات الكهرباء الذكية وتقنيات البطاريات فائقة التخزين.

في العالم العربي، المشهد آخذ في النضج. ما يجري ليس فقط استيراداً للتقنيات، بل محاولة لبناء نموذج محلي للابتكار. في المغرب، بات مجمع "نور" للطاقة الشمسية لا يُستخدم فقط لإنتاج الكهرباء، بل لتدريب فرق هندسية أفريقية على إدارة محطات الطاقة. في الإمارات، تعد محطة "شمس 1" أكثر من مشروع طاقة، إنها منصة تجريبية لاختبار حلول ناشئة في مجالات تخزين الطاقة والتبريد الذكي والتكامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي السعودية، يُختبر مشروع "ذا لاين" بوصفه مدينة مستقبلية بلا انبعاثات، تعيد تعريف أنماط السكن والنقل والاستهلاك في قلب الصحراء.

لكن التجارب الأكثر إلهاماً قد لا تكون دائماً في البلدان ذات الامكانيات المالية. في الهند، على سبيل المثال، تشكّل قرى تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية نموذجاً قابلاً للتكرار في بيئات نائية تفتقر للبنية التحتية. وفي كينيا، تعيد الشركات الناشئة تعريف العلاقة بين الطاقة والتنمية، من خلال حلول شمسية صغيرة دون الاعتماد على الوقود. هذه التجارب تنبّه إلى أن الابتكار يعني القدرة على تكييف الموارد مع الاحتياجات، وتخلق منظومة قادرة على إنتاج المعرفة، على تدريب الكفاءات المحلية، على تطوير تقنيات تتناسب مع المناخ والواقع الثقافي للمنطقة. من المفارقات أن حجم الإنفاق العربي على مشاريع الطاقة النظيفة تجاوز 200 مليار دولار، في حين أن نسبة مساهمة البحث العلمي العربي في هذا المجال لا تزال أقل من 1% من الإنتاج العالمي.

وقد يكون الحل في مسارين متداخلين: أكاديمي وتقني. الأول يتمثل في نهوض الجامعات بتخصصات جديدة تتعلق بالطاقة والهندسة البيئية والاقتصاد الدائري، من خلال شراكات مع مؤسسات مرموقة مثل معهد ماسساتشوستس للتكنولوجيا والجامعة التقنية في ميونخ والمعاهد الحديثة في المنطقة العربية أما الثاني، فهو عملي ميداني، يتجلى في برامج التطوير المهني والتعلم بالممارسة، حيث تشارك الشركات مثل "أكوا باور" و"مصدر" في بناء خبرات محلية قادرة على مواجهة تحديات معقدة، من ندرة المياه إلى التقلبات المناخية.

التحول إلى الطاقة المتجددة ليس مجرد انتقال من مصدر إلى آخر، بل هو تحوّل في الثقافة الاقتصادية، في علاقة المجتمعات بالموارد، في هيكل العمل والإنتاج والمعرفة. فالصحراء التي كانت في القرن العشرين رمزاً للثروة النفطية، تتحول تدريجياً إلى مختبر مفتوح للابتكار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

يبقى السؤال الحاسم: هل تستطيع دول المنطقة أن تتحول من مجرد مستوردة للتكنولوجيا إلى فاعلة في تطويرها؟ الإجابة عن هذا السؤال لا تحدد فقط موقعها في المستقبل الاقتصادي، بل أيضاً طبيعة دورها في تشكيل نظام عالمي جديد يُبنى على الاستدامة والذكاء البيئي والمعرفة التقنية.

فيديو