ميلشيا الحوثي والملف النووي الإيراني، علاقة نفوذ تتجاوز الحدود

السياسة - منذ 14 يوم

عين الجنوب | تقرير - خاص


ميلشيا الحوثي من تمرد الى اداة ضغط اقليمي، وفيها تتشابك خيوط السياسة الإيرانية مع حركات مسلحة وميليشيات إرهابية في أكثر من ساحة، لكن في شمال اليمن، تبرز الميلشيا كواحدة من أبرز أذرع طهران، كأداة فعّالة في لعبة المصالح الدولية التي تشمل ملفاً حرجاً، يشكل تهديداً للمنطقة برمتها الا وهو البرنامج النووي الإيراني.

العلاقة ببن ايران واداتها في الشمال رُصِدت عبر تحركات إيران في دعم ميليشيا الحوثيين عسكرياً وتقنياً، إذ أظهرت التحقيقات الأممية وتقارير دولية متعددة أن إيران ضالعة في تهريب أسلحة متطورة إلى الجماعة، تشمل صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار، وهو ما انعكس بوضوح في الهجمات التي طالت الجنوب ودول الاشقاء خلال السنوات الماضية، قبل وبعد الهدنة. لم يكن هدف هذه الهجمات محصوراً بالبعد العسكري أو الأمني، بل ظهر واضحاً أن توقيتها يتزامن في كثير من الأحيان مع مراحل حساسة من التفاوض بين إيران والدول الكبرى بشأن ملفها النووي.

تُعتبر الميلشيا بالنسبة لطهران ورقة ضغط إقليمية تستخدمها بتكتيك دقيق في لحظات الشد والجذب، خصوصاً في مفاوضات فيينا أو عند مناقشة تمديد الاتفاق النووي أو تخفيف العقوبات. فعندما تتعرض إيران لضغط، تفتح الجبهة اليمنية أوراقها وتلوّح طهران من خلالها بإمكانية إشعال المواجهة في مضيق باب المندب أو البحر الأحمر، في رسالة غير مباشرة ولكن مفهومة للدبلوماسيين الغربيين، والسؤال هنا هل هذا يفيد تعزيز التحالفات من وجهه نظر غربية.

في المقايل صرّحت الشرعية مراراً أن تصعيد الحوثيين الإرهابي في المنطقة ضد السفن في البحر الأحمر لا يُمكن فصله عن الحسابات الإيرانية. في يناير 2022، على سبيل المثال، شنّ الحوثيون هجمات بطائرات مسيّرة على دول الجوار، تزامنت بشكل لافت مع ضغوط أميركية على طهران بشأن التخصيب النووي. ردود الفعل الإيرانية لم تُنكر العلاقة، بل كانت تصريحات مسؤولي الحرس الثوري الإيراني تصف الميلشيا بـ جزء من محور المقاومة وتمدح قدرتهم على الردع الإقليمي، أيضاً هنا سؤال اخر، ما فائدة ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، هل يستدعي ذلك تمرير هذا المشروع أم انه يعتبر تهديداً لحلفاءها في الشرق الاوسط؟

البعد الأخطر في هذه العلاقة لا يقتصر على التوظيف التكتيكي للحوثيين، بل يتجاوزه إلى استخدام اليمن كحقل تجارب للأسلحة الإيرانية. فقد وثّقت تقارير أن بعض أنواع الطائرات المسيّرة التي تستخدمها ميليشيا الحوثي هي نماذج أولية لأجيال إيرانية جديدة من الدرونز، جرى اختبار فعاليتها ميدانياً في اليمن قبل نقل نفس التكنولوجيا إلى ميليشيات في العراق وسوريا ولبنان. بهذا المعنى، أصبح اليمن مختبراً عسكرياً يُمكّن طهران من تقييم أدائها الدفاعي والهجومي دون الدخول المباشر في حرب مفتوحة.

تؤكد مصادر أمنية إقليمية أن الميلشيا خضعوا لتدريبات مباشرة من قبل عناصر من الحرس الثوري، بعضها جرى في طهران وقم، وأخرى في مناطق يمنية خاضعة لسيطرتهم. وتشير تقارير اخرى إلى أن عمليات تهريب الأسلحة تمرّ غالباً عبر موانئ في بحر العرب ومن ثم عبر سواحل المهرة ومنها عبر حضرموت، أو عبر الأراضي العُمانية، رغم النفي من مسقط.

أيضاً لا يمكن تجاهل البعد الطائفي في هذه العلاقة، لكنه لم يعد هو المحرك الوحيد. فإيران لا تعتمد على تقارب المذهب الزيدي الذي استحدث منه الحوثيين نسخة اكثر تطرفاً تماثل تلك التي في طهران، بل طوّرت العلاقة إلى شراكة استراتيجية تُخدَم فيها أجندة إيرانية أوسع تشمل الردع النووي، والمساومة في العقوبات، والتأثير على خطوط الملاحة الدولية. لقد أصبح الحوثيون أداة إيرانية، تُستخدم للهجوم والابتزاز السياسي أيضاً.

في تطورات حديثة، ومع تصاعد التوتر وتنامي الحديث عن عودة المفاوضات النووية، عادت الميلشيا الحوثية للواجهة، من خلال تهديد الملاحة في البحر الأحمر باسم نصرة غزة، ضمن عمليات ما يسمى بمحور المقاومة، وبغض النظر عن زيف زعمها الا أنها تستفيد من جانب تثبيت سيطرتها، كما يُظهر مرة أخرى أن الجماعة لا تتحرك خارج الإيقاع الإيراني، بل هي أداة ضمن أوركسترا النفوذ الإيراني، أداة تُستخدم للتشويش أو للضغط حسب الحاجة.

بالمختصر، ميليشيا الحوثيين، رغم خطابهم المحلي والشعبوي، لم يعودوا مجرد جماعة سلطوية طائفية، بل تحوّلوا أيضاً إلى أداة متعددة الوظائف في يد طهران. أحد أبرز أدوارهم اليوم هو خلق توازن ردع إقليمي في وجه الضغط الاقليمي والدولي على إيران، وخاصة في الملف النووي. وهم بذلك لا يُمثلون فقط خطر على المنطقة فقط، بل أصبحوا جزءاً من المعادلة النووية الإيرانية، بصيغة غير مباشرة ولكنها شديدة التأثير!.

فيديو